دعا عالم آثار سعودي إلى تغيير إسم صحراء الربع الخالي إلى الربع الغالي و رغم كونه عالم آثار لم يتمتع الرجل بموضوعية و لا بالنقد العلمي اللازم لينقلب فى لحظة على تسمية تاريخية لها دلالتها و فرضتها اللحظة و تم تخليدها فى كتب التاريخ الغابر و جغرافيا التراث العالمي ..
حول الشيوعيون اسم مدينة سان بطرسبرغ إلى مدينة لينيغراد و بعد زوال المد الشيوعي _و رغم النزعة الشيوعية الحالية _ أعاد المتصالحون مع ذواتهم و مع التراث الاسم القديم للمدينة ...
حاول البعض هنا أن يحول إسم حي 'ملح' إلى السعادة ظنا منه أن للتسمية الأولى علاقة بكآبته أو أن الثانية جالبة للرفاهية ، لكن عبثا أرادوا ففى كل مرة يفشل المعقدون و ترحل أمانيهم لتبقى الثوابت الأولى بكل عفويتها و بساطتها ماثلة ...
أطل علينا منذ أيام أيتام النظام الحالي المتباكين على رحيله مطالبين و ملمحين إلى ضروروة تغيير اسم شارع الخالد جمال عبد الناصر إلى شارع الوحدة الوطنية ، و كأن عبد الناصر يشكل عائقا فى وجه وحدة بني 'مدخنة' !
الوحدة الوطنية التى تذيلت اهتمام هذا النظام و من يطبلون له حتى لم يتحدث عنها إلا و هو يجمع أمتعته للرحيل ...
إن الوحدة الوطنية بحاجة ماسة إلى ابعادها عن اللغط و عن التعريض بها و البناء على أسس لم يتفق الموريتانيون كل الموريتانيين عليها ، فنحن لم نخرج جميعنا فى مسيرة التاسع من يناير و لم يأخذ رأينا فى تسمية شارع للوحدة الوطنية أو ساحة أو غيرها ، و الأولى بفعل كهذا أن يبتعد أصحابه عن مكامن الخلاف و ما من شأنه زرع الشقاق ، لكنه نظام أدمن تحدي مشاعر الشعب و هتك مقدساته و تغيير تاريخه و رموزه و تراثه ...
أما كان حريا بالبلدية أو بالمجلس الجهوي أن يقيم منشأة عمومية يلجأ إليها الأطفال و الأسر للترفيه و يسميها باسم الوحدة الوطنية ، أم أن البناء و التشييد و ما ينفع الناس و يمكث فى الأرض خارج اهتماماتهم ...!
إن عبد الناصر زعيم عربي مسلم افريقي ، تتفق غالبية العرب و الأفارقة على خدمته لأمته و لقاراته ، و قد حملت عدة شوارع و جامعات اسمه فى عديد البلدان الافريقية ، و هو رمز للتحرر العالمي ، شئنا ذلك أم أبيناه ، و تسمية شارع باسمه أقل واجب نحو رمز عالمي للحرية و الاستقلال ، و نزع اسمه من شارع حمل اسمه لعقود هو تنكر و لؤم قل أن يعرف عن أهل هذه الأرض ...
فى النهاية اسم عبد الناصر عصي على النسيان ، لقد حاربه كل العالم و انتصر رغم الخسائر الفادحة لتخلده افريقيا و العرب و كل العالم الحر ، لا نقول بملائكية عبد الناصر و لا بتمامه و لا بكماله ، لكننا يقينا نؤمن بزعامة الرجل و بخلوده الأزلي فى التاريخ العالمي كأعظم شخصية تحررية فى قرنه ...
نقول للمجلس الجهوي و للنظام لطالما صدعتم رؤوسنا بالحديث عن المقاومة و عن رموزها و تمجيدهم ، أما كان حري بكم تبديل شارع ديغول المستعمر الطاغي بدل رمز من رموز التحرر العالمي ، لكنكم تكذبون على أنفسكم قبل ان تكذبوا على من يصدقكم ، و يكذبكم الواقع ...
عن الردود على الفعل المستنكر ، كان بيان الطليعة التقدمية واضحا صارما و معبرا عن رأي كل الأحرار و الغالبية العظمى من الموريتانيين الذين يرفضون التعدي على ذاكرتهم الجمعية و رموزهم الوطنية و العربية و الافريقية ، و أثبت بعض الشباب غير المتحزب نضجه و تحمله للمسؤولية و تعاليه على الخلاف البيني الهامشي و العابر ...
و فى الجانب المظلم من الردود لم نستغرب من النفير الذى حصل فى صفوف الشياطين و اخوانهم و رؤساء فروع منظماتهم و محاميهم و صبيتهم الحثالة متجاوزين منت عبد المالك و مستشارها فى سعيها الشيطاني و الدفاع عن الخطوة و عن تبنيها و الترويج لها ...
صمت أحزاب وطنية كبرى -كنا نحسبها تقدمية-، عن استنكار الفعل أمر مثير للاستغراب و للدهشة السلبية ...
فى النهاية، لن يتغير شيئ، سيبقى شارع عبد الناصر محفورا فى قلوب جميع الموريتانيين و سيبقى الرجل رمزا من رموز التحرر فى العالم بأسره ، شاء من شاء و أبى من كفر ...
إن قدر جمال عبد الناصر أن يبقى و تبقى ذكراه و قدر الراحلين أن يجمعوا أسماءهم و يرحلوا ...
المجد للوطن ...
المجد للخالد عبد الناصر ...
الصورة اليوم، و من على رصيف شارع الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ...