من كان يراهن على ان الربيع العربي، سيكون حلاً ليجعل الدولة السورية تصطف في عداد الدول التابعة الخانعة للقرارات الامريكية، فقد خسر الرهان، فالحرب على سوريا اوحت منذ بدايتها لأعداء دمشق، ان مسارها يسير وفق الخطة الأمريكية، وان الادوات ينفذون الاجندات بعد إيعاز من حكومات دول غربية وعربية، بعضها كان يعمل في الخفاء وبعضها اجهر بفعلته على الملأ، وكلهم ينضوون تحت عباءة الصهيو-امريكية، التي مازالت تُحيك مؤامراتها لهذا المشرق الجميل، فـ منذ الحرب على ليبيا، وكسر هذا البلد الغني بنفطه، بدأت ملامح شرق أوسط جديد برعاية أمريكية خليجية اسرائيلية.
أمريكا و بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، شعرت بفقدان هيبتها و قوتها العسكرية و الاستخباراتية، و للمفارقة، فقد ضُربت واشنطن بأيدي أدواتها الإرهابية، حيث أن هؤلاء الإرهابين هي من صنعتهم و دربتهم، ليكونوا قوتها الضاربة في العالم، و تحديدا في الشرق الأوسط، من هنا سعت واشنطن إلى إعادة رسم قوتها العسكرية و فرضها واقعا، و ترتيب معطياتها عبر خطط ارهابية تستثمر بها، و قد عملت واشنطن على إعادة بناء قواعدها “الارهابية” وتحت مسميات كثيرة، و على اعتبار أن أدوات واشنطن هم مصالح ظرفية، و باتوا عبئاً عليها، قررت الزج بهم في سوريا، لتدمير الدولة السورية من الداخل، و تكريس النظريات الأمريكية التي تعتمد على مبدأ الحروب دون خسائر، لكن سوريا كانت حجر عثرة في طريق التوسع الامريكي.
سوريا استطاعت و رغم الفرض القسري لهذه الحرب عليها، ان تستفاد من حربها على الارض، لتُكون لها قاعدة استخباراتية تحليلية عسكرية هامة في دراسة جميع الظروف التي احاطت بها على الارض، وفي ساحة المعركة، و بمعنى أخر، فقد تمكنت الدولة السورية من إتباع استراتيجية معقدة و نابعة من معطيات الحرب عليها و مساراتها، و على الرغم من أعداد الإرهابيين الذين قَدِموا إلى سوريا، و عملوا تحت اسماء مختلفة، و منظمات بشعار إنساني، إلا ن الدولة السورية تمكنت من تفكيك معطيات هذه المنظمات التي عملت وفق صبغة استخباراتية أمريكية، و النتيجة هي ذوبانها في الرمال السورية، ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى وصف سوريا بأرض الرمال و الموت، فالرجل أيقن من رؤى واقعية، أن سوريا من المحال ان تكون مستعمرة للأمريكان، وذلك من خلال قراءته للمشهد السوري، ومقارنته بالدول التي استطاع فرض اليد عليها، فالقيادة السورية المتمثلة بالرئيس بشار الأسد وشعب سوريا والجيش السوري، ازهقت المخططات على أعتاب دمشق، لترسم خارطة طريق اخرى حتما ستكون بعيدة عن ارض سوريا، ولكنها لن تكون ببعيدة عن ناظري واشنطن و رؤساء دول اصابتهم الحرب السورية بصدمة إعادة التفكير في سياسات بلدانهم، لعلهم يستفيدون مما جرى خلال الحرب على سوريا، وكيف استطاع الرئيس بشار الاسد وبمساندة الرئيسين بوتين و روحاني من إيقاف هذا المد الأمريكي الإرهابي.
تركيا دخلت على الخط السوري، وإن كان في البداية خلسة عبر إرسال إرهابييها إلى حلب للسلب والنهب وإعمال الفوضى، لكنها وتحت ذريعة حماية الحدود وأن الشعب السوري هو من طلب من أردوغان التدخل، فقد اغتصبت الارض في الشمال السوري، لتصبح تركيا وبإرادة سوريا وحلفاؤها و باستراتيجية ذكية، ضامنا لتسليم الفصائل الإرهابية التي و رغم المدة الممنوحة لها، لم تستطع ان تؤدي ما طُلب منها لجهة مناطق خفض التصعيد، فما يدور في خلج تركيا لا يخفى على القيادة السورية، ومحاولة اللعب على الورقة الكردية وإعادة اتفاقية اضنة إلى الواجهة ردت عليه القيادة السورية قائلة ” نؤكد ان اي تفعيل لهذا الاتفاق يتم عبر إعادة الامور على الحدود بين البلدين كما كانت وان يلتزم النظام التركي بالاتفاق ويتوقف عن دعمه وتمويله وتسليحه وتدريبه للإرهابيين وان يسحب قواته العسكرية من المناطق السورية التي يحتلها وذلك حتى يتمكن البلدان من تفعيل هذا الاتفاق الذي يضمن امن وسلامة الحدود لكليهما”.
هي معطيات كثيرة، و يمكن البناء عليها، فالدولة السورية تمكنت من تحويل المسارات السياسية و العسكرية في المنطقة، و أعادة رسم محاور هذا المشرق، فالحرب عليها ستنتهي بمقاومة الجيش العربي السوري، ومحاولة اللعب وتغيير خيوط اللعبة من قبل واشنطن و أدواتها، لن يعطيها املا بتحقيق اطماعها في الأرض السورية، ولعل نتائج هذه الحرب وانتصار القيادة والجيش وانسحاب الولايات المتحدة، كفيلة برسم العواقب التي قد تجنيها تركيا من تعنتها على ارض ليست لها.
ربى يوسف شاهين
كاتبة من سورية