قال صحفي فنزويلي إن مأساة شعب فنزويلا تشبه قصة الضفدع وكوب الماء حيث يقول : ضع ضفدعا في كوب ماء ساخن، فسيقفز منه بسرعة ، ولكن ضعه في كوب ماء بارد ثم قم برفع درجة الحرارة رويدا رويدا عليه، فإنه سيبقى قابعا في الكوب إلى أن يموت .وفي الواقع فان قصة الضفدع وكوب الماء هي مثال سائر منذ القدم لتفسير منطق خنوع الشعب واستسلامه لمن يقوم بالفعل "بطهيه" على نار هادئة و ببطء شديد ، وهو ما سماه العالم الكبير "جيرد دايموند" بالقتل بألف وخزة صغيرة .لاجدال في ان كثيرين ادركوا الان ان هذا هو بالضبط ما فعله اتشافيز و تابعه عليه خلفه مادورو طوال العشرين سنة الماضية ..تحول فيها هذا البلد المترف، ذوالثروات الهائلة، العائم على بحر من النفط، حيث تملك فنزويلا أكبر احتياطي من النفط في العالم، ولكن حكامه حولوه إلى بلد تنوح فيه البومة ، فقد انهار الاقتصاد كليا وارتفع منسوب التضخم إلى أكثر من %1000، حتى أصبح مجرد شراء وجبة غذاء أو دجاجة يتطلب حمل حقيبيتين ممتلئتين من البوليفار( العملة الفنزويلية)، واليوم ظاهرة المهاجرين الفنزويليون الذين يخرجون من بلدهم في قوافل بالآلاف هي ظاهرة تملأ سمع العالم وبصره وتشكل مصدر تهديد للاستقرار في عموم أمريكا اللاتينية ، حتى أصبحت بعض البلدان تغلق حدودها في وجه هذه الموجات وتعلن حالات الاستنفار . وفي كركاس ارتفعت نسبة الجريمة بشكل لا يوصف حيث أصبحت تصنف بأنها ثاني أخطر مدينة في العالم ، ونُشرت تقارير كثيرة عن تورط الشرطة في الجرائم حيث إن كل خمس جرائم من بينها واحدة على الأقل هي من تنفيذ عناصر الشرطة، لقد كان أول شيء فعله هيغو اتشافيز، حين وصل إلى السلطة سنة 1999 هو أسوء شيء يمكن أن يفعله رئيس جاء عن طريق الانتخابات ، وهو تجاوز المؤسسات الديموقراطية التي أوصلته إلى السلطة ، حيث أصبح يسير الأمور بفرمانات باسم الثورة البوليفارية الجديدة وتحت شعارات حماية ثروات الأمة و محاربة الامبريالية ، فقام بتأميم اثني عشر شركة عملاقة ، وقام بتعيين عسكريين على هذه الشركات تمت ترقيتهم بسرعة إلى جنرالات و كذلك شخصيات أخرى موالية لنهجه ، وضرب مناخ التنافس الحر وأصدر قوانين الحماية ومراقبة الأسعار و حركة العملات، وسرعان ما أصبحت موهبة نسج العلاقات السياسية وفهم عمل شبكات المصالح هي السلم الوحيد نحو المكاسب والترقية والتعيين . وفي سنة 2006 ، وأثناء الحملة الانتخابية خير وزير النفط آنذاك عمال شركة "بترليوز فنزويلا" النفطية العملاقة، خيرهم بين دعم شافيز أو فقدان وظائفهم ..وظهرت طبقة برجوازية جديدة عرفت باسم البوربولجيزا ، وهم أثرياء "اتشافيزمو" أو اتشافيزية ، الذين صنعوا ثروات هائلة في الخفاء تحت ستار الاشتراكية وشعارات الوطنية الزائفة. انهارت العملة الفنزويلية أمام الدولار بشكل متلاحق مما اضطرهم إلى نزع عدة أصفار دفعة واحدة..وهو ما فتح المجال للواصلين بالمتاجرة في البوليفار حيث يشترون الدولار عن طريق علاقاتهم في الحكومة بأسعار ضئيلة ويبيعونه في السوق السوداء بأسعار خيالية ، كل ذلك جرى في جو من النفخ المستمر في شعارات معاداة الامبريالية ولعن الولايات المتحدة ..اليوم بدأ الكوب يغلي على الضفدع بشكل لا يحتمل ، محلات الدعم الغذائي المحلي التي اخترعها اتشافيز لمساعدة الفقراء، لم تعد تفتح أبوابها سوى مرة واحدة في الأسبوع، وبسبب قلة بضائعها وإقبال الناس عليها أصبحت توزع بطاقات التموين بالقرعة ، والذين لم يحالفهم الحظ في القرعة يضطرون للسفر إلى كولومبيا المجاورة لشراء بعض المواد الأساةسية التي لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة ، وكثيرا ما تتعرض شاحنات المجالس المحلية للسطو وهي في طريقها إلى المحلات. فنزويلا تترنح الآن ، وربما تنهار تماما كما يعلم المتابعون للأخبار.. ولكن الدرس الذي قدمته للشعوب درس عظيم ، وفي ظني أن السر في الاستفادة منه يكمن في التركيز على قصة الضفدع وكوب الماء، ورصد المؤشرات والوتيرة التي يغلي بها الكوب على الضفدع ..ذلك ان الحكام الفاسدين المستحوذين لا ينفذون جريمتهم دفعة واحدة وإنما بوتيرة بطيئة لا تشعر بها الشعوب الا حين تكتمل حلقاتها ، ويستفحل امرها ، فتخور العزايم، ويحاط بالأمل من كل جانب .. ان الشعوب ميالة إلى التشبث بالأمل ،ميالة إلى تجاهل التغييرات البسيطة وفي الأحيان لا تشعر بها ، إلا إذا صارت معيقة للحياة بمفهومها الخام ، و بالتالي لم تعد أمرا يمكن تجاهله، وهذا في الواقع هو الذي يرفع عليها - بالدوام - فواتير الاصلاح والترميم.
اسماعيل محمد خيرات