توطئة
يحظى قطاع التهذيب منذ عدة أشهر بإدارة سيدة وصِفت حين توليها منصب الوزير بالعديد من الأوصاف الحميدة، وبشكل متواتر، في مواقع الإعلام الخاص والتواصل الاجتماعي، وفي أحاديث المهتمين في المكاتب والمنازل وغيرها؛ ومن أبرز ما وصفت به: النزاهة والإنسانية والعملية والاهتمام بالمرؤوسين والاستماع إليهم وطيب السلوك والمعاملة..ولم يصدر منها لحد الساعة - على ما أرى - ما يتنافى مع ذلك.
غير أن كل ذلك لايمنع مهتما من إبداء رأي يخاله سديدا يخدم مصلحة الوطن، أو إثارة أمور يعتبرها غاية في الأهمية يتوقف عليها أي نهوض منشود للتعليم في البلاد.
بل هي فرصة مناسبة للإثارة والنقاش؛ لوجود من يستمع بكل حصافة، وينزل الأمور منازلها ويفهمها في إطارها السليم.
وإن شخصا كهذا لجدير بالثقة والمسؤولية، ولن يعوزه موقع يليق بخصاله ومكانته ووزنه ودوره الفاعل.
أما حال التعليم
فهو مثير للشفقة
ماجعل رئيس الجمهورية يوصي به ويكرر الوصية في خطابه المشهور.
إجماع وتعقد:
مما لاشك فيه أن الناس اليوم في البلد من أسفل القاعدة إلى أعلى القمة مجمعون على فساد التعليم، فمعاناته واضحة لكل ذي بصيرة أو فاقدها.
فضعف أداء القطاع طيلة عقود متتالية أوصل التعليم إلى وضعية جد سيئة ومعقدة، لا يكاد يوجد لها نظير ولا مثيل؛ وإن إصلاحها ليس بالأمر الهين البتة؛ لكن يجب أن تتزاحم من أجله العقول والأفكار؛ وأن نتواصى به جميعا، عسى أن يخرج من ذلك صواب.
وجهة نظر:
إنني أعتقد أن إصلاح تعليم بهذه الدرجة من التردي والتعقيد لا يمكن تصوره قبل إصلاح تنظيمه الإداري أولا، إصلاحا يسنده إلى الخبراء المختصين الذين هم على دراية تامة بشؤون التربية ومتطلباتها، والعملية التعليمية بكل تفاصيلها دقيقها وجليلها..
ومن ثم
وعلى بينة وهدى
من قبل هؤلاء المختصين والخبراء، ينظر في الأمور الأخرى:
كإصلاح التسيير المالي التربوي، ومراجعة الأهداف والسياسات والبرامج التربوية، وتأهيل وتكوين الكادر البشري، وإصلاح وتفعيل الأدوار الرقابية والمتابعية، والبحثية، والإحصائية، وتحسين وتوفير الكتاب المدرسي والأدوات والوسائل التعليمية..
ومن هذا المنطلق
أرى أن:
أولا:
--- منصب الوزير:
ينبغي أن يشغله خبير في التربية، حائز على دكتوراه في أحد علوم التربية، خدم أو درس وبحث في واقع التعليم في البلد بشقيه الأساسي والثانوي.
ثانيا:
--- المكلفون بمهام:
*-- ينبغي أن يكون أحدهم على الأقل، خبير بنفس المواصفات المطلوبة في الوزير.
*-- كما ينبغي أن يكون من بينهم: ( مفتش تعليم أساسي؛ مفتش تعليم ثانوي "مكوَّن" ؛ معلم؛ أستاذ تعليم ثانوي..
ثالثا:
--- المستشارون:
وينبغي أن يكون أحدهم على الأقل، خبيرا عاما، مثل الوزير؛
وينبغي أن يكون المستشار المكلف بالتعليم الثانوي خبيرا في التعليم الثانوي (مفتش تعليم ثانوي "مكوَّن") ؛ والمستشار المكلف بالتعليم الأساسي خبيرا في التعليم الأساسي (مفتش تعليم أساسي)؛ كما ينبغي أن يكون من بين المستشارين أستاذ تعليم ثانوي و معلم..
رابعا:
--- المفتشية العامة:
أ-- ينبغي أن يكون المفتش العام خبيرا عاما في التربية بمثل ما ذكر في مواصفات الوزير.
ب-- ينبغي أن يتم توزيع المناصب الأخرى في المفتشية مناصفة بين مفتشي التعليم الأساسي والثانوي مع مراعاة الاختصاص.
خامسا:
منصب الأمين العام:
ينبغي أن لاتقل مؤهلات الأمين العام عن مؤهلات الوزير.
سادسا:
الإدارات المركزية:
ينبغي أن تسند الإدارات التالية لخبراء تربويين بدرجة دكتورا. والإدارات هي:
-- مديرية الاستراتيجيات والبرمجة والتعاون -- مديرية المصادر البشرية -- مديرية ترقية تدريس العلوم -- مديرية تنمية المصادر التربوية والديداكتيكية -- مديرية الإنعاش الاجتماعي التهذيبي.
مع الاهتمام بالاختصاص.
كما ينبغي إسناد الإدارات التالية لمختصين:
١- مديرية الامتحانات (لمختص في التقويم التربوي والقياس)
٢- مديرية التعليم الأساسي (لمفتش تعليم أساسي)
٣- مديرية التعليم الثانوي (لمفتش تعليم ثانوي "مكون").
سابعا:
الإدارات الجهوية:
تفاديا لضياع التعليم الأساسي، أو ضياع الثانوي، أو ضياعهما معا يجب الفصل بين التعليمين على المستوى الجهوي بحيث:
١---- تنشأ في كل ولاية إدارة جهوية للتعليم الأساسي، يديرها مفتش تعليم أساسي؛ وتضم مجموعة كافية من مفتشي القطاعات؛ الأقدم من الأعلى درجة منهم يخلف المدير في حالة غيابه.
وتزود الإدارة بالوسائل الكافية ومنها مالايقل عن سيارتين رباعيتي الدفع؛ وتلغى -في هذه الحالة- المفتشيات المقاطعية؛ ويلزم لكل قطاع مالا يقل عن زيارتين فصليا.
فأظن أن بذلك يتم إحياء دور الرقابة والمتابعة، وتحسين الأداء، وتقريب الإدارة عمليا، وفي نفس الوقت الواقعية والترشيد في الموارد.
٢---- أما التعليم الثانوي
فينبغي أن يديره جهويا، مفتشو التعليم الثانوي "المكونون" من خلال أقطاب أو إدارات جهوية خاصة بالتعليم الثانوي؛ ويمكن أن يلحق به التكوين المهني.
ثامنا:
مدارس التكوين:
ينبغي دمج جميع مدارس تكوين المعلمين والمدرسة العليا للتعليم في:
كلية للتربية والتعليم، أو مدرسة عليا واحدة؛ تتبع لوزارة التعليم العالي وتتعاون مع وزارة التهذيب لتخريج أساتذة التعليم الأساسي والثانوي، والمفتشين في مرحلة بعد ذلك. وتقدم للجميع تكوينا أكاديميا ومهنيا، وتمنحهم الشهادات المناسبة عند التخرج. وينبغي أن تستفيد الدولة في هذا المجال من تجارب وخبرات دول شقيقة تعد رائدة في التعليم كالأردن -مثلا-
تاسعا:
المعهد التربوي الوطني:
ينبغي أن تحول مهامه إلى إدارة مركزية فحسب. فأعماله لاتستحق أن تستقطب كل هذا الكم الكبير من الموارد البشرية من مفتشين وأساتذة ومعلمين، الحاجة إليهم جميعا ماسة جدا في مؤسساتهم الأصلية. ولايستساغ أن يحول هذا الكم الهائل من المدرسين من أجل بيع رزمة من الكتب، كل أحد يمكن أن يتولى مهمة بيعها، لتترك المدارس فارغة من المدرسين يبحث لها عن متعاقدين لايملكون أية خبرة أو تترك مقفلة أو شبه مقفلة؛
ثم إنني أتصور أن ميزانيات المعهد التربوي الوطني وفروعه الجهوية وأجور عماله الكثيرون لو استثمر ذلك استثمارا معقلنا في تحسين نوعية وطباعة وتوزيع الكتاب المدرسي لكان كافيا لكل ذلك وتوزيعه بالمجان على عموم التلاميذ والطلاب والاستغناء عن الأكشاك.
عاشرا:
إضافة:
من الشروط الأساسية للإصلاح -كذلك- تسيير الأشخاص وتحويلهم وترقيتهم ومكافأتهم أو عقوبتهم على أساس معايير مهنية، لا على أساس تدخلات واتصالات ورغبات النافذين والوجهاء، ولا على أساس المصالح والحسابات الشخصية ونحوها.
والله المستعان.
أحمد ولد عبد القادر