في سياق الجدل الدائر بشأن إغلاق السلطات الموريتانية مؤخرا لمؤسستين إخوانيتين هما (الندوة العالمية للشباب الإسلامي وجمعية الخير)، رأيت من الضروري تسليط الضوء على هاتين المؤسستين لرفع الإلتباس الحاصل لدى البعض، وذالك من خلال الإجابة على السؤالين التالين:
- هل الندوة تابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وما هي أهدافها في موريتانيا؟
- ما حقيقة تكفل جمعية الخير بالمواطنين الضعفاء وكفالتها لأيتامهم، وما هي الأنشطة الخفية للجمعية خلف لافتة العمل الخيري الظاهر؟
أولا: الندوة العالمية للشباب الإسلامي:
من الخطوط الحمراء التي تتفق عليها جماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا الحرص على إخفاء وطمس أي علاقة تربطها بالندوة العالمية للشباب الإسلامي! والتي سنرى أنها هي الراعي الرئيسي والممول الأساسي لأنشطتهم في هذا البلد الذي يعتبره التنظيم الدولي للإخوان بوابة الولوج إلى القارة الإفريقية.
تأسست الندوة بالمملكة العربية السعودية إبان حكم الملك فيصل الذي استضاف الكثير من القيادات الإخوانية الهاربة من مصر أيام حكم عبد الناصر والسادات وكان من أبرزها مناع خليل القطان (السكرتير الخاص لحسن البنا)، يوسف القرضاوي، كامل الشريف، ومحمد مهدي عاكف (الذي أكد أن أبرز إنجاز قاموا به هو تأسيس الندوة). كما استضافت المملكة بالإضافة إلى هؤلاء قيادات شبابية من أقطار عربية أخرى مثل: عبد المجيد الزنداني من اليمن، حسن الترابي من السودان، وراشد الغنوشي من تونس (وهو عضو مؤسس للندوة). وترشح لعضويتها الشيخ محمد الحسن ولد الددو من موريتانيا بتاريخ 30/07/1427 هجرية، وتلقى دعوة بتاريخ 04/09/1427 هجرية لحضور مؤتمرها العاشر موقعة من طرف كامل الشريف، الأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي تعتبر الندوة عضوا به.(وكامل الشريف هذا أردني مصري الأصل ارتبط بالإخوان المسلمين في حياة حسن البنا الذي اختاره قائدا لفدائي الإخوان وكتائبهم التي تقاتل في فلسطين، شغل منصب الأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي تأسس سنة 1988 والذي يعتبر مظلة لأكثر من منظمة إسلامية من بينها الندوة العالمية للشباب الإسلامي التي هو من مؤسسيها).
اختار قادة جماعة الإخوان موريتانيا لتكون مقرا مفترضا لأنشطتهم بعد مضايقتهم في أكثر من بلد، حيث انتهزوا فرصة انشغال الساحة السياسية الوطنية بالتغيرات الحاصلة في أعقاب الفترة الإنتقالية وضعف النظام الذي استلم رئاسته للتو رئيس مدني ظل لسنوات طويلة بعيدا عن تجاذبات الساحة السياسية. فبدأوا البحث عن موطئ قدم لهم في موريتانيا فبذلوا كل ما بوسعهم حتى حصلوا على ترخيص حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" يوم 03/08/2007 الذي انعقد مؤتمره الأول من 24 حتى 26/07/2008 كإطار قانوني يمارسون تحت مظلته أهدافهم السياسية. ثم شرعوا في جمع ما أمكن جمعه من تراخيص للجمعيات والمراكز الصحية والمدارس والمؤسسات الأكاديمية والنقابات التعليمية والطلابية والمهنية والحقوقية. وذالك سعيا منهم لوضع اللبنات الأساسية لبناء مؤسسات التنظيم.
كما أحيوا أنشطة جمعيات تم ترخيصها منذ سنوات ولم تبصر النور فعليا إلا في هذه الفترة. فانطلقت أنشطة جمعية الإنارة لمكافحة الفقر وتركز على جمع المال من دولة قطر، وجمعية اليد العليا لعون المحتاجين ورعاية الأطفال، وهي تقوم بجباية المال من دولة الكويت.
وكانوا قد دشنوا هذا الحراك بالإعلان عن ترخيص لجمعية المستقبل للثقافة والتعليم وأعلنوا عن انطلاق أنشطتها بتاريخ 25/06/2008 في حفل سياسي بهيج حضره سعد الدين العثماني رئيس الوزاء المغربي الحالي، ممثلا لحزب العدالة والتنمية. وحصلوا على ترخيص جمعية المرأة للتربية والثقافة (النسخة النسائية لجمعية المستقبل). كما فتحوا مركز النور الصحي في فبراير 2008 وأطلقوا عليه اسم "طب الإصلاحيين". وقبل ذالك بأشهر استوفوا الشروط القانونية للرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني الذي يحمل الترخيص رقم 1119 بتاريخ 28/12/2007، وجمعية بسمة وأمل الحاصلة على الترخيص رقم 110 بتاريخ 28/03/2007. وجمعية التعاون للأعمال الخيرية في موريتانيا التي حصلت على الترخيص رقم 661 بتاريخ 06/08/2007. والجمعية الموريتانية لرعاية الطفولة المرخصة تحت الرقم 045 بتاريخ 22/02/2007. والكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية في مارس 2007.
وكان مشروعهم الأهم الذي انتهزوا فرصة تحقيقه في هذه الفترة هو ترخيص أهم مؤسستين إعلاميتين لهم وهما مؤسستا: السراج للإعلام والنشر، الحاصلة على تصريح لدى وكيل الجمهورية بنواكشوط تحت الرقم 62 بتاريخ 04/01/2007. ووكالة أنباء الأخبار المستقلة المسجلة تحت الرقم 803 بتاريخ 07/04/2008.
في هذه الفترة حاولوا بكل ما أوتوا من قوة قيادة منتدى الفاعلين غير الحكوميين، فرشحوا الأمين العام لجمعية الخير للتكافل الإجتماعي لرئاسته لكنهم فشلوا في ذالك. فقاموا بإنشاء تجمع ضم أغلب الجمعيات الإخوانية النشطة، وأطلقوا عليه إسم "تكتل الإصلاح للجمعيات غير الحكومية في موريتانيا". ومن أهم أعضاء هذا التكتل: جمعية الخير، الجمعية النسوية، جمعية الفتاة، جمعية شبيبة بناء الوطن، الجمعية الموريتانية لرعاية الطفولة، الجمعية الموريتانية لحماية المستهلك، وجمعية بسمة وأمل. وبعد اكتمال هذه الهياكل ظهر الوجه الحقيقي لأهداف الإخوان وأطلقوا حملة دعائية شابها الكثير من المظاهر المالية واستعراض القوة. وتعطل العمل الخيري والتكافل الإجتماعي وتم وأد النشاط الدعوي والخيري لأنهم كانوا يتخذونهما مطية ووسيلة لولوج السياسة. وأصبح الشيخ الددو لا يستطيع إلقاء أي محاضرة إلا إذا تأكد أنها لا تزاحم أنشطة حزب تواصل. وأصبحت المحاضرات مهددة بالإنقراض، وإذا ألقيت محاضرة يتم اختصار وقتها كثيرا.
بعد الحصول على التراخيص وما صاحبه من تجاذبات سياسية ومن انفلات أمني وحرب شوارع ومواجهات مسلحة داخل العاصمة في السابع من إبريل 2008 (نفس اليوم الذي تم فيه ترخيص وكالة الأخبار المستقلة) سادت حالة من الرعب والقلق في نفوس المواطنين. وفي هذا الظرف الأمني العصيب وانشغال السياسيين بمعركة حجب الثقة، وتلويح الرئيس بحل البرلمان، بدأت أطماع تنظيم الإخوان الدولي التوسعية تتزايد فأرسلوا وفدا رفيع المستوى من الندوة العالمية للشباب الإسلامي لتنعش الجمعيات والهيئات الإخوانية وتضخ فيها المال وتقوم بتأطير أفراد وكوادر التنظيم. فاستقبلهم الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله يوم 04/05/ 2008 بالقصر الرئاسي كنشطاء في العمل الخيري سيساهمون في برنامج التدخل الخاص في موريتانيا الذي أطلقه نظامه في تلك الفترة. واتفقوا مع الرئيس على فتح مكتب إقليمي للندوة في نواكشوط. وسلموا شيكا مصرفيا بمبلغ 12 مليون أوقية فقط لمفوضية الأمن الغذائي! ولم ينتبه الرئيس إلى أن الإخوان في يوم 01/05/2008 أزاحوا الشيخ الددو من منبره (منبر الخميس أحد أهم رموز الإخوان) وأفسحوا المجال للشيخ صالح بن سليمان الوهيبي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي معلنا انطلاق الحملة الإخوانية التوسعية على أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
كان ذلك الشيك المصرفي الزهيد بمثابة ذر للرماد في العيون، وكان تغطية أو ساترا (كما هي عبارة الإخوان) لحملة تمويل ضخمة ورعاية وتأطير لمؤسسات تنظيم الإخوان استمرت لأكثر من عقد من الزمن، حتى ساعدت بمرور الوقت وبشكل فعال على إنشاء ما يشبه دولة موازية تتوفر على كافة الشروط ولديها التراخيص المطلوبة بهدف نشر هذا الفكر والتمكين له.
يتواصل..
عبد الله ولد محمد لوليد