لقد عملت سياسات النظام الحالي طوال عشريته المتصحرة عل الإخلال بطبيعة التوازن الهش أصلا بين حقوق الأفراد متفرقين اومنتظمين في كيانات رسمية (الأحزاب والمنظمات المدنية ...) او عرفية (من بنى اجتماعية موروثة) وبين حقوق الوطن باعتباره أما رؤما في مجتمع عصبوي كجتمعنا ،لم يستوعب المدنية ونظمها بما فيه الكفاية ولم يتح له من الوقت ما يكفي لخوض غمار تجربة ديمقراطية -تمثيلية-حقيقية، في مناخ صحي.
فالديمقراطية الغربية التي ينطلق منها البعض كمثال هنا، قامت اول ما قامت كما عكست ذلك قوانين (الكونفونسيون) ، على تحرر الفرد من ولائه للكنيسة ابتداء حتى يمكنه أن يقترع حر الإرادة، لأنه بمنح ولائه للكنيسة ينتمي إلى كيان او جسم لا مدني الطبيعة.
وعندما ينتمي الكائن الفرد إلى مثل ذلك الجسم (الكنيسة) لم يجز القول ان مايراه اويقرره هو رأيه الشخصي المتمحض بقدر ما يعبر عن رأي الكنيسة وإرادتها،لقد عملت تلك التجربة من خلال قوانينها الصارمة بقوة التشريع، وقوة التنشئة،وقوة التربية المدنية الصحيحة ،على فسخ ولاء الفرد لجماعته بالولادة والعصبية، ونقله إلى "الجماعة الوطنية " الأوسع، فلم لم تحصل مثل تلك النقلة الضرورية او المسار المشابه في بلداننا ؟ فلايزال الأفراد هنا بفعل التراكمات السوسيو- تاريخية وبفعل سياسات الأنظمة "الأوليغاريشية" المتعاقبة -ومنها النظام القائم، يلوذون بقبائلهم،وعشائرهم الإجتماعية المغلفة بتشكيلات سياسية، وبجهاتهم ،طلبا للحماية والدعم والمساعدة، والتموقع بشتى صوره وتجلياته.
لذا فإن الوريث الشرعي للنظام الحالي يبدو غير مهيئ للنهوض بأعباء ومتطلبات مثل ذلك الانتقال، بحكم تشابكاته و تحالفاته الراهنة محليا وتلك التي سيرتهن لها إقليميا مستقبلا-إن كتب له الفوز-وهو الذي ظل لوقت قريب منخرطا في جسم قوي ومؤثر ويحتكر ولاء الأفراد ويصادر الرأي الفردي بحجم ، "المؤسسة العسكرية"، وهي المهمة الجلى التي لن يتسنى لغير فاعل مدني تربى في كنف المؤسسات المدنية،وعجم عودها خبير إدارة ورجل دولة، النجاح في استعادة التوازن المفقود بين حق الفرد في الانتماء إلى جماعة مدنية سياسية او اجتماعية فرعية ما؟ وحق الدولة او الجماعة الوطنية في أن تحتكر لنفسها ولاء الأفراد وانتماءهم المطلق لها، انها معادلة معقدة لايمكن أن يوجد لها حل حقيقي خارج مجال تعريفها الطبيعي والذي لاشك أنكم تعرفونه جميعا ؟
اكانته ولد النقره