تصريحان مُهمّان حول الأوضاع في سوريا، الأوّل أدلى به الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أثناء مُشاركته في قمّة طريق الحرير التي تختتم أعمالها اليوم في بكين، والثاني للدكتور بشار الجعفري، رئيس الوفد السوري في مُباحثات أستانا، يُؤكّدان أنّ معركة إدلب أقرب كثيرًا ممّا يتوقّعه الكثير من المُراقبين.
صحيح أن الرئيس بوتين قال في تصريحه إنّ الهُجوم الشّامل لاستعادة إدلب للسيادة السوريّة وإخراج الجماعات المُسلّحة منها “ليس مُناسبًا الآن” لأنّه يجب الأخذ في الاعتبار الاحتياجات الأمنيّة للمدنيين (حوالي 3 مليون مدني)، ولكن بالنّظر إلى الغارات الجويّة الروسيّة التي استهدفت مواقع لهؤلاء المُسلّحين، وبشكلٍ مُكثّفٍ طِوال الأيّام الماضية، وخاصّةً بعد أنباءٍ عن قصفها، أيّ الجماعات المُسلّحة، لقاعدة حميميم الجويّة الروسيّة، فإنّ الصّبر السوريّ الروسيّ بدأ ينفذ بعد تلكؤ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في تنفيذ تعهّداته التي قطعها على نفسه في قمّة سوتشي أواخر العام الماضي بإخراج المُسلّحين من المدينة في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي.
الرئيس بوتين حرص في تصريحه في بكين، ومن دون أيّ مُناسبة، الإشادة بحليفه السوري بشار الأسد، والتّأكيد على أنّه خرج مُنتصرًا من الأزمة، ولكن هذا الانتصار لم يدفعه لفرض شُروط بشأن اللجنة الدستوريّة التي من المُفترض أن تضع الدستور، وخريطة طريق للحُكم في سورية في المُستقبل، وتنظيم انتخابات رئاسيّة وتشريعيّة، واتّهم الرئيس الروسي المُعارضة بعرقلة تشكيل هذه اللّجنة.
هُناك تفسير واحد في نظرنا لهذه التّصريحات المُفاجأة للرئيس بوتين، أبرزها تعزيز الجبهة الروسيّة السوريّة استعدادًا لمعركة إدلب أوّلًا، وتبديد كُل الشّائعات حول وجود خلافات بين الحليفين ثانيًا، والتّأكيد على أنّ الصّداقة التي تربطه، أيّ بوتين، وبنيامين نِتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال، لا يُمكن أن تتقدّم على الصّداقة مع سورية والرئيس الأسد تحديدًا ثالثًا.
ولعلّ هذا الدّعم الروسيّ المُتجدّد لسورية هو الذي يقف خلف تصريحات الدكتور الجعفري في آستانة ووصف فيها الوجود التركي على الأراضي السوريّة أسوأ من نظيره الإسرائيلي، لأنّ القوّات التركية تحتل 6 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السوريّة، أيّ أكثر أربع أضعاف من هضبة الجولان، (عفرين وجرابلس)، وتفرض مناهجها التركيّة على المدارس السوريّة فيها.
الملف السوري يعود إلى الواجهة مُجدّدًا خاصّةً بعد القضاء على “الدولة الإسلاميّة” (داعش)، واستعادت جميع الأراضي التي كانت تُسيطر عليها، وإخراج جميع القوّات الأجنبيّة التي تتواجد بشكلٍ غير شرعيّ على أرض سورية (أمريكيّة، بريطانيّة، فرنسيّة، وتركيُة) حسب ما جاء في تصريحات الدكتور الجعفري.
السؤال الذي يطرح نفسه هو أين ستكون الأولويّة في المعركة المُقبلة، استعادة شرق الفرات حيث احتياطات النّفط والغاز السوريّة، ممّا يعني مُواجهة قوّات سوريا الديمقراطيّة (قسد) وداعميها الأمريكيين، أم استعادة إدلب حيث تحظى قوّات إسلاميّة أُصوليّة بقيادة “جبهة النصرة” بمِظلّة حماية تركيّة؟
حديث الرئيس بوتين عن عدم مُلائمة الوقت لشنّ هُجومٍ شامِلٍ على إدلب لاعتباراتٍ كثيرةٍ، أبرزها أخذ الاحتياطات الأمنيّة للمدنيين بعين الاعتبار قد يُوحي، إلينا على الأقل، بأنّ الأولويُة قد تكون لاستعادة شرق الفُرات السوريّ.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”