حين أرسل أمير المؤمنين ابن عمه لمناظرة الخوارج أوصاه "لا تجادلهم بالقرآن فإن القرآن حمال أوجه"، وكذلك كل نص فائض بالمعنى سلس المبنى يتبارى "الذين في قلوبهم زيغ" وبغاة الفتنة في تأويله. تلكم كانت حال المخبرين والوشاة مع نص "رجل الظل" فتأولوه كيدا، ومكرا بكاتبه، "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله." وقد حاق سريعا بالإخوان، فتحققت خلال شهور توقعات الكنتي. فتم الانقلاب على جميل منصور بالتخلص من مراكز القوى التي خلفها في المكتب التنفيذي للحزب، ورشح للمجلس الجهوي ليضاف إخفاق جديد إلى سيرته الذاتية، ومنع رئاسة المعارضة وتؤلف بها غر مهاجر عجز أن يكون عمدة فإذا هو رئيس!!!
كان جميل ينصب نفسه ناطقا باسم الحزب، فعينوا أربعة قطعا للطريق عليه، فاكتفى بالإشارة في التدوين حين أقصي من تدبير الإمارة التي عقد لواؤها لسجانه نكاية في تاريخه النضالي. لقد كان مع خليفته مثل أحمد وايدجو مع بيا؛ حاول الانقلاب عليه فلما فشل مات بكمده في المنفى... يكمن جميل اليوم في ظاهر المدينة، ينسج بردته، ويتسقط آخر أخبار حملة محمد، وقد بان من رئاسته، وخلعه حزبه. ولا يزال رئيس الحزب في الظل يصطنع لنفسه "سيدي"، مستنزلا وابل قطر، أو طل بوعماتو، ويحركه، من وراء الحدود، من كان يديره أيام جمعية المستقبل... يتعظ العاقل بغيره، لكن الإخوان لا يتعظون وقد وعظوا في أنفسهم، فعادوا إلى الكيد والمكر بمناسبة "عام الوفود" يلحدون فيه، وهو عليهم سِلام.
فما الذي أوغر صدوركم على النص "تلقونه بألسنتكم"، وتكتبونه بأيديكم! أأن ذكرتكم الضر الذي مسكم وقومكم في المعارضة، وهزال مطاياكم، وبضاعتكم المزجاة؟ اربعوا على أنفسكم؛ سنوفي لكم الكيل، ونتصدق عليكم، ونعلم أنكم ما جئتم إلا لتفسدوا في الحملة، وإنكم لسارقون.. والله المستعان على ما تصفون... فقد نفرتم إلينا مثل غرائب الإبل أجليت من المراعي، ومنعت المناهل، حصرت صدوركم أن تعارضونا، أو تناصروا قومكم.. وليط بكم خلعاء الأحزاب، وصعاليك الصحافة كل مهطال الدمع على ما فاته في عشرية النماء والعطاء.. فكنا لكم كأبي زرع لأم زرع. وما جاءنا من قبلكم إلا صاحب ثأر يطلبه بجدع أنفه، أو عاجن سره بنوه... أو غارم يسأل حقه في الصدقات، أو عابر سبيل يطلب بلغة إلى نظام يحسبه جديدا...
جئتم على بكرة أبيكم؛ حرف لولا الحجاج رحمه الله ما ميزتموه من مثيله، وما أحببتموه إلا لما يذكركم الغنيمة، فحين أغلقت الدولة جمعيات تبييض الأموال تبين أن الأرامل قادة الحزب، واليتامى قاعدته... فأكلتم مبادئكم، كما أكل ابن الخطاب ربه؛ منكم من ازدردها "كلمح الطرف للرائي"، ومنكم من يتجرعها ولا يكاد يسيغها... وخلفتم وراءكم "أخي جفوة فيه من الإنس وحشة..." وأغيلمة "زغب الحواصل".. كلما تحلقت جماعة منكم حول جفاننا صاحوا بهم "ليسوا إخوانا..."
كل هذا التبدل، والتسول، والتقول.. ولا يزال الكنتي "حيث كان"، "أعصبكم عصب السلمة، وأضربكم ضرب غرائب الإبل".. أغير عليكم حاسرا، فساء صباح الإخوان المسلمين.. وكنت أباعد لكم الغارة استصلاحا لبقيتكم فما زادكم إلا غدرا، وطلبا لما تعجزون عن بلوغه... فسقيت آخركم بكأس الأول حتى استغاث كتابكم.."أنج x فقد هلك y"؛ رباني اعتزل أو عزل، وشيخ "وهبته لشيبته" فاهتبل الهدية ولزم وضع الصامت، وغلام يسيء صلاته ويستصرخ الأمة الإسلامية على بني جلدته أن سلب دريهمات وبعض سقط المتاع، فتركته لتربية أخواله. وحين أحيط بكم، وبلغت القلوب الحناجر رفعتم "عبدوتي"، ونسيتم أن الاستسلام يكون برفع قماش نظيف... لكن صاحبكم شعر بالأمان لعلمه أنني "ما اندير اعمارت السبع فكرفاف" ولو حمل لقب دكتور، ولحقته ياء الملكية كما تلحق الأشياء، و"من" في حكمها... ما زلت أورد عليكم وأصدر؛ أغرف من بحر، وتنحتون من صخر... فمن أغلق فمه، وكسر قلمه، فهو آمن، ومن التحق بحملة محمد فهو آمن، ومن تخلف عنها بعد ثلاث ملأت عليه السهل..."ويلمها خطة ويلم قابلها***لمثلها خلق المهرية القود"...
د محمد اسحاق الكنتي