إعلان

تابعنا على فيسبوك

زمن الاقنعة...

اثنين, 27/05/2019 - 21:57

اشتهرت البلاطات الأوربية في العصور الوسطى بتنظيم حفلات تنكرية ترتدي فيها الحاشية ملابس فولكلورية، ويتنكر فيها الراقصون والراقصات فلا تعرف شخصياتهم. انتقلت الحفلات التنكرية من هذا الجو المرح "البريئ" إلى مناسبة لممارسات مشينة تحت ذريعة الاحتفال. ولم تخل تلك الحفلات التنكرية من مآس ترجع إلى الأقنعة التي تخفي الهويات؛ فقد احترق شقيق الملك شارل السادس، دوق أورليان، وخمسة من حاشيته في حفلة تنكرية أقيمت 1393، واغتيل في إحداها غستاف الثالث، ملك السويد. وإذا كان "فن التنكر" مصدر متعة فإن له مخاطره لما يصاحبه من تمويه، وبهرج، وتزييف؛ فما كل صاحب قناع كندي.
 وللسياسة، كما للحفلات التنكرية متعها ومخاطرها التي قد لا يكفي طول المراس للسلامة منها. ولا يكاد يختلف ما نحن فيه هذه الأيام من هرج سياسي عن حفلة تنكرية؛ فقد تنكر البعض لمبادئه، وزيف آخرون تاريخهم، وبهرج قوم مواقفهم، وتنكر المناضلون لأحزابهم، والقادة لقواعدهم، واحترق البعض الآخر حين اقترب من صاحب المحرقة.. وحدها أغلبية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز لا تزال شامخة تحيط  كالاسوار بمرشحها محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني موسعة في وظائف حملتها للوافدين والنازحين، والراشدين، وضاربة لهم بسهم في ولاياتها...
 راقصون على رؤوس الأفاعي ما عملوا بنصائح ابن الحسين، فزلت أقدامهم على العتبات. ولما تكاثرت الأقنعة وتشابهت لم يعد الراقصون يرون سواها، حتى صاح أحدهم، وقد جذبته من بعيد (بنجه الإخوان) بعد عقود من "السولو" في سبيل بعث لم يعد يؤمن به،  برجل "صفيحة وجهه*** كضوء شهاب القابس المتنور.." "إنك تضع قناعا"!!! رجل ما عرفتموه إلا حاسرا حين كان يأخذ الرئاسة غلابا، فهل ترونه يضع قناعا، حين أصبحت أهون عليه من تبالة على الحجاج!!!
 "المرشح القناع" هو مرشح اللحظة الذي ستسقط الأقنعة من حوله بمجرد انتهاء الحفلة، لتبحث "غدا" عن مرشح آخر. أقنعة تتسلل في كل الاتجاهات؛ تركب البحر في سفينة كانوا إلى قريب حربا على بناتها وربانها، وتستطلع الضمائر في إعادة تدوير جربتها من قبل... فحين ضحك جناح الشيخ على جميل فأخرجه من رئاسة الحزب باسم الديمقراطية، عاد جميل إلى الكتّاب في المغرب الأقصى ينفض الغبار عن مشروع دكتوراه.. ثم رجع إلى السياسة وبقي المشروع. ولما خسر انتخابات المجلس الجهوي، وأخرجت جماعته من المكتب التنفيذي للحزب عاوده الحنين إلى العمل الأكاديمي "المحايد"، فاختار "المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الاستراتيجية" يستطلع به آراء الناخبين "بحياد وموضوعية"! مركز جدير بالثقة حقا فهو إخواني المنشأ، والله أعلم بمصدر تمويله، وللإخوان مرشحهم القناع. فهل يعتقد جميل أن الموريتانيين بلغت بهم السذاجة حدا يجعلهم يولون أدنى اهتمام لمركز يعتمد "الأخبار" و"السراج" مصادر أولية!!!
 في الركن القصي المعتم من الحفلة التنكرية صفحة سوداء تمارس ضرب الودع لمعرفة "الحقيقة" التي يعرفها القائمون عليها لكنها تزعجهم، فتهامسوا.. "إن محمدا لا يشبه، في الحقيقة، محمدا"، كما أرجف قوم من قبل في شبه أسامة بزيد حتى قطع أعرابي إرجافهم.. "هذه الأرجل بعضها من بعض"؛ ارتاب المنافقون في الوجوه، وأيقن الأعرابي بالأقدام! (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). هذا العمى الصدري مثل الربو يصيب المريض بأزمات حادة تجعله يرى الأقنعة التي ألفَها على كل الوجوه، لكنها حين تسقط يكون قد فقد وعيه القومي...

د محمد اسحاق الكنتي