في مارس 1959م، أشار محضر اجتماع رسمي بين حكومتي بريطانيا وأمريكا، والمنشور بكتاب “الصراع العربي الاسرائيلي؛ الجمهورية العربية المتحدة وشمال إفريقيا، الصادر عن الخارجية الأمريكية”، والذي جري في واشنطن، إلى قول وزير الخارجية البريطاني، لويد: “إن ليبيا يمكن أن تكون منطقة مستقرة إذا لم يكن ناصر مثيراً للفضول هناك وإن هذا ينطبق على السودان أيضًا”، ويرد الرئيس إيزنهاور متسائلاً: “ولماذا إذًا لا نقوم بإدخال بعض المعلمين إلى ليبيا حيث لدى المصريين الكثير هناك بالفعل؟”.
وعلق الكتاب، على هذا الاجتماع بأن ثورة يوليو التي انهت النفوذ الاجنبي في مصر؛ افضت الي انتهاج سياسة معينة من قبل الغرب في ليبيا تتمحور حول وجود ثقافي – يتحكم في الوعي الشعبي العربي الذي أصبح يتوق للحرية نتيجة المد الناصري – الي جانب التواجد العسكري والنفوذ الاقتصادي، مشيرًا إلى أننا من هذا نفهم أيضًا سبب السياسة الأمريكية الحالية تجاه ليبيا، والمتسمة بالغموض والقيادة من الخلف في ظل تواجد أنظمة عربية تابعة لهم شرق وغرب قناة السويس.
وفي 13 مايو 1959 كشفت مذكرة لاجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي محاولات الهيمنة الأمريكية على النفط الليبي، وعرقلة تطوير المنشآت النفطية في ليبيا بهدف استمرار السيطرة على هذه البقعة الهامة.
كشفت ترجمة المذكرة، أن وزير الخزانة الأمريكية، كلارنس دوغلاس ديلون، قال إنه يود أن يناقش جانب مهم من الخطة، وهو أنه بدا من المحتمل أن احتياطيات كبيرة من النفط كانت جاهزة للتطوير في ليبيا، لكن شركات النفط كانت تكره أن تدفع هذا التطور بسرعة كبيرة، وبالتالي تعرض موقعها في الشرق الأوسط للخطر.
وأوضح الوزير الأمريكي، أنه إذا اُعتمدت النسخة اليسرى من مشروع الاجراءات للجنة الأمن القومي وتم تفسيرها حرفيًا، فسوف تضطر الولايات المتحدة إلى ممارسة الضغط على شركات النفط لتطوير الحقول الليبية على الفور، مشيرًا إلى أن التطور السريع للحقول الليبية سيكون له تداعيات خطيرة في الشرق الأوسط، على سبيل المثال؛ سيحول دون شراء المزيد من النفط من إيران لتعويض إيران عن انخفاض أسعار النفط، مؤكدًا أن حقول النفط الليبية تبدو واعدة لكن صناعة النفط على ما يبدو لم تكن ترغب في برنامج مكثف لتنمية الحقول الليبية.
وبيّن ديلون، أن شركة شل البريطانية مهتمة بليبيا وتطوير النفط، لكن القطاعات الكبيرة تحت سيطرة الشركات الأمريكية.
وأفادت المذكرة أن نائب الرئيس الأمريكي آنذاك رد قائلاً: “أدرك أن سياستنا هي عدم دفع تطوير حقول النفط الليبية، وإذا حثثنا الشركات على تطوير الحقول الليبية بسرعة في هذا الوقت، فإن النتيجة ستكون بمثابة اضطراب خطير في الشرق الأدنى، وإذا كان الشعب الليبي مدركاً بالكامل لموارد النفط الليبية، فإنه سيطالب بتطويرها على الفور، وبالتالي فإن أي معرفة بأن شركات النفط الأمريكية تتعمد إعاقة تطوير حقول النفط الليبية سيكون أمراً مؤسفاً للغاية”.
وفي الأيام والشهور اللاحقة لأحداث يناير 1964م، كشفت وثائق للمخابرات الأمريكية تم الإفراج عنها في 2015م، أن أعمال الشغب مستمرة في طرابلس وأن هناك خسائر فادحة نتيجة اشعال النيران وأعمال التخريب، مشيرة إلى أن الشرطة تقول أن عدد القتلى وصل إلي 17 شخصًا، كما أن قاعدة ويليس الأمريكية أخذت تدابير وقائية، خاصة أن عدد من الأمريكان أصيبوا بجروح وكدمات غير خطيرة نتيجة تعرضهم للرمي بالحجارة.
وأشارت الوثائق، إلى قيام الملك إدريس بإسقاط فكيني واستعمال يد من حديد لضرب معارضيه، ما تسبب في ضعف موقفه وضعف موقف حكومته، لافتة إلى أن فكيني يمتلك شعبية كبيرة في ليبيا وقد يكون نقطة ارتكاز يتحد حولها معارضي النظام، ربما مع دعم مصري، كاشفة عن أن الوضع استمر في التوتر في طرابلس بعد يومين من أحداث الشغب الطلابية، وأن الجيش يقوم بدوريات في شوارع المدينة، وأن المدارس الثانوية والجامعات تم اغلاقها لمدة ثلاث أسابيع.
ولفتت الوثائق، إلى أن الملكية الليبية في مشكلة، وأن أحداث الشغب التي اندلعت اعتراضا على وحشية الشرطة، تحولت إلى مظاهرات ضد الملك لأول مرة في تاريخ ليبيا، حيث أصبحت المظاهرات تتخذ شكلاً سياسيًا محددًا ضد حكومة الملك ومع الوزير المقال فكيني.
ورصدت الوثائق، حوالي 600 عملية قبض تمت، مؤكدة على أن الشرطة التي لا تتواني في الضرب بيد من حديد، مشيرة إلى أنه في الأمد البعيد قد تتكتل هذه المعارضة الناشئة حول فكيني، الذي يمتلك شعبية، وقد يغري مصر من أجل مساعدته، بالرغم مما أظهرته مصر حاليًا من وجه جميل ولطيف، مختتمة بأن قاعدة ويليس أخذت تدابير وقائية بعد إصابة عدد من الأمريكان بالجروح والكدمات سالفة الذكر.
وكشف تقرير لجهاز الاستخبارات الأمريكية، صدر عشية منتصف يونيو 1969م، أي قبل ثورة الفاتح/سبتمبر بشهرين ونصف، أن الغرب يضلل الشعوب التي لا تملك اقتصادها ويغذيهم بالأفكار التي يتوقون لسماعها، بينما في الحقيقة ما يقولوه في دوائرهم المغلقة شيء آخر ومختلف، حيث جاء في التقرير أن الصراع الدائر بين عائلة “الشلحي” التي استفادت من تفضيل الملك، وبين “شخصيات نافذة تستخدم ولي العهد وهو شخصية لا تملك وجود فكري عديمة الأهلية، لم يسمح إدريس بتدريبه ليكون ملكا” وهي عناصر مختلفة و متصارعة، كان الملك هو الاسمنت الذي جعلها متماسكة مع بعضها طيلة السنوات الماضية.
وتوقع التقرير، أنه في حالة سقوط الملك ستدخل البلاد في حالة فراغ بسبب عدم وجود شخصية واحدة أو مجموعة تستطيع منع الجهات المشتهية للسلطة من المسك في أعناق بعضها، بحسب التقرير.
وذكرت مجلة القوات الجوية الأمريكية، في تقرير لها تحت عنوان “سنوات قاعدة ويليس الأميركية في ليبيا”، أنه في 17 مايو 1945م سُميت قاعدة الجيش الأميركي ويليس على شرف الملازم أول، ريتشارد ويلس، وهو الطيار الذي قتل في إيران في وقت سابق من ذلك العام، مشيرًا إلى أن قاعدة ويلس في ذلك الوقت أصبحت لا تقدر بثمن للولايات المتحدة، حيث ساهمت في حرب 1967م مع القوات الإسرائيلية في 6 أيام وإلحاق الهزيمة شبه الكاملة على مصر وسوريا والأردن، والاستيلاء على سيناء ومرتفعات الجولان، والضفة الغربية وقطاع غزة، نظرًا لعلاقات لإسرائيل القريبة من واشنطن.
وتحت عنوان “دخول القذافي”، تطرق التقرير إلى القائد الشهيد، معمر القذافي، ودوره في إجلاء القاعدة الأمريكية، حيث تم تحديد مصير القاعدة في 1 سبتمبر 1969م، عندما قامت مجموعة صغيرة من ضباط الجيش الليبي بالسيطرة على الحكومة المركزية، وأعلن إلغاء النظام الملكي الليبي، وأعلن قيام الجمهورية العربية الليبية، مشيرًا إلى أن العقيد، دانيال جيمس، كان قد عُين آمرًا لقاعدة ويلس من فترة قصيرة في أغسطس 1969م، كقائد لـ 7272 الجناح المقاتل.
وأشار التقرير، إلى أن دانيال تفاوض مع القائد الشهيد، شخصيًا لإغلاق القاعدة، لافتًا إلى أن الوضع كان يتدهور بسرعة في 16 أكتوبر 1969، حيث دعا القذافي الى “تصفية القواعد الأجنبية على الأراضي الليبية”، وبعد 14 يومًا، تلقت القاعدة مذكرة من ليبية رسمية بإجراء مناقشات بشأن إجلاء القوات الأمريكية وإيقاف الرحلات الجوية وتدريب القوات الجوية الأمريكية.
وتحت عنوان “القذافي في مطار ويليس”، أشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة سعت لتأخير التداول حتى سبتمبر 1970م، ولكن أصر المفاوضين الليبيين أن الرحيل النهائي للقاعدة في موعد اقصاه 30 يونيو 1970، حيث أشرف دانيال جيمس، على انسحاب 4000 جندي و21 مليون دولار من الأصول القابلة للإزالة، قائلاً: “إن القذافي هدده وسحب عليه السلاح، وأن عليه الرحيل خلال شهر”، حيث استجاب جميس لطلب القذافي ورحلت قاعدة ويليس خلال شهر.
واختتم تقرير مجلة القوات الجوية الأمريكية، بأن رحيل القاعدة كان محزنًا بالنسبة لأمريكا، حيث تم إغلاق القاعدة في 11 يونيو 1970، لتحمل اسم قاعدة معيتيقة في ليبيا.