من الصعب إقناع شخص بالحق حين يرفضه عقله الباطن عمدا، بعد أن سقى غرسه مُطولا بالباطل، لكن الباطل لا يملك مفاتيح الحق وإن عمَّ الأرض.
جاء انقلاب عزيز الأول ردة فعل على حالة عامة، مائلة في جل أركانها، من التسيير للأمن، وعلى تدهور ينذر بالخطر على كينونة الدولة. وهي حقبة كان لها ما لها من إيجابيات وعليها ما عليها ككل الحقب الرئاسية.
من البديهي أنَّ الانقلاب لم ينفذه عزيز لوحده كان معه خيرة من ضباط المؤسسة العسكرية، مؤمنين بالدولة، وسبق أن جعلوا من أنفسهم درعا بشريا دون مواطنيها، ومن بيهم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني. ثم جاء الانقلاب التصحيحي الثاني على رئيس مدني انقلب بعد حين على أولياء تمكينه من السلطة، بعد أن بادر الى استنساخ نفس النهج الذي دفعهم للقيام بانقلابهم الأول، بثغراته في التسيير وفي الأمن، وبتنفُّذ مكوّناته القبلية والجهوية، وبسطوة تنظيماته الحركية، التي لا تروم المصلحة العليا للبلد. وطبعا لا اسهاب، فالقصة معلومة.
بطبيعة الحال، إن الوقوف في وجه المصالح الضيقة والعبثية أحيانا لتشكيلات سياسية ومهنية هجينة الحقب وشرسة ولتكتلات قبلية وجهوية نافذة، سيخلق من الأعداء لعزيز أكثر مما سيجلب له من الأصدقاء، ومن هنا بدأت ماكينة شيطنة ولد عبد العزيز تعمل بكامل طاقتها، وبدون توقف على امتداد عقد من الزمن، فقد حسبوا كل مُوال له مذنبا، ناهيك عن تشويه الأداء، وتشويه الصورة، مارسوا أنواع الضغوط النفسية على المواطن لابتلاع الدعاية المغرضة لربطه في أذهانهم بالفساد الشخصي، وفساء المؤتمرين بأمره في إدارته، وفساد أقاربه وهم مجتمع تجار بالوراثة، عمليّ ونشط بجميع مكوناته منذ ما قبل قيام الدولة، وقد تضررت مصالحهم وسمعتهم من جراء الشيطنة المتعمدة والاستهداف بالتشويه المُمنهج باقتدار، وهذا النمط تترفع عنه الخصومة السياسية الشريفة.
سَلَّم ولد عبد العزيز السلطة ليد يأتمنها على موريتانيا، وتتشارك معه مشروعه لبنائها، ومع ذلك ظل نفس الفريق الواهم يراوح مربع التفكير الأول، لقد ضيع فريق التشويه فرصة على نفسه بتعطيل هذا المشروع خلال السنوات 2009، 2014، 2019، والمعضلة دوما أنَّ الصَّخب يفوق العدد الانتخابي والعدة في الإقناع.
تجاوز نفس الفريق تشويه حصيلة ولد عبد العزيز إلى وصم شخصه، واقحام ملامحه غير الودية وصعوبة استمالته، في تعاطيه مع الشأن العام!. أذكِّر هنا، أنَّ الدول لا تبنى بالعواطف، ولا بالخضوع بالقول، فعلا الرجل من سلبياته أنه لا يُعير اهتماما للمدح ولا يزعجه الذم، وهذا يعطّل عمل مدرسة مصالح راسخة، رائجة وقائمة على المحاباة والمجاملات، والتصفيق الدُّوني للوصول. استثمار سلاح اللسان والقذف والاذلال بالتشهير لم يجلب نفعا كبيرا في حقبة عزيز، ومن الطبيعي ان ترتد نفس السنة التجريح اتجاهه.
لم يُقصِّر الرجل في تنفيذ برنامجه، ونفذ أغلبه بإمكانات محدودة، والتنمية فعل جاحد لأنه فعل استفادة عامة لا خاصة، تصعب ملاحظته ويتطلب الصبر والوقت، فبناء سد في انبيكت لحواش لا يعني شيئا لسكان الميناء.
لقد أعاد الرجل جل القطاعات للسكة السليمة، من الجيش للدبلوماسية للوزارات الخدميّة، وتغيرت ملامح المدن الكبرى تماما إلى الأحسن، أدخل مبدأ العقوبة في التسيير وتشديد الرقابة، وأعاد للخزينة ما نُهب منها على غير وجه حق، أسَّس لتناوب سلمي متناغم وفعلي.
سيظل للفعل البشري نواقصه وعثراته، وخصوصا في بلد محدود الموارد، وتسيطر عليه عقلية الترويج للجزء الفارغ من الكأس. والمشككون عادة غير صبورين على خطوات التنمية لأنها فعلا أبطأ سرعة من التهريج.
يُروّج البعض بمنطق صبياني لوجود لموالاتين، يتعيّن على إحداهما الفوز على الأخرى، ويروّج لأكثر من فصيل داخل الموالاة الواحدة، ولانقلاب بعضها على بعضها، ويمنِّي النفس بانقلاب نهج على نهج، تُعاد فيه الصياغة بما يناسب المصالح في حضن فوضى دولة ألاَّ دولة، وهذا توهم وأمانيّ في مصلحة من تعوَّد ركوب التغييرات الراديكالية بالانقلابات، فيجد ضالته في ذمِّ الراحل وتملق بذلك للقادم، أمَّا وأنَّ القادم امتداد للسابق، فذلك من سوء حظ الطفيليات السياسية، ونتفهم صعوبة تقبل الوضع نفسيا في الآجال القريبة.
لن يتوقف بث الادعاءات المختلطة والتقولات المليئة بالتناقضات الفاضحة، فقد رفضوا دوما تبيُّن ملامح عهدتين دامتا عشر سنوات، عَنْدًا ومناكفة، فما بالك بتدقيق ملامح عهدة في شهرها الأول، الهدف الوطني الأول والأسمى للمتخاذلين عن مشروع التنمية إحداث القطيعة بين عزيز وغزواني!، هذا أمر مألوف في دائرة اللغو والأراجيف من معسكر التشكيك والتثبيط والتطاول على الحقيقة ومعطيات الواقع. لقد استأنسوا بنغمة التفرقة وقتا، ثم بدأوا في هجرها بعد أن نأت الظنون.
لا تنخدعوا بحلم الرئيس غزواني، فتحت الحلم صلابة رجل الدولة، وقناعة قائد مؤمن بمشروع طموح كان فيه شريكا في الطرح وفاعلا ومنجزا.
لقد مثل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الذراع السياسي والسند الفعال لمؤسسه محمد ولد عبد العزيز وسيكون كذلك للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بكل هيئاته ومنتخبيه ومنخرطيه، والترويج لضعفة يدخل ضمن بث السموم من نفس الدائرة.
سنتمسك بنهج رئيسنا السابق محمد ولد عبد العزيز وسنتكاتف خلف رئيسنا الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، ونكثف الجهود لمواصلة مشروعنا الذي يصبو إلى موريتانيا مزدهرة عادلة وآمنة، ولطبقة سياسية قوية بموالاتها ومعارضتها، مُدركة وناضجة.
محمد امربيه عابدين