تشهد الساحة الطلابية حراكا وإن كان لا يزال خجولا، فإنه ينم عن حالة من التذمر من قرار سبق لوزير التعليم الحالي أن اتخذه بلا مقدمات في العام الماضي، ولا تزال تداعياته تتجلى من حين لآخر.
القرار بمنع من تجاوز سن الخامسة والعشرين من الالتحاق بالجامعة، قرار جائر في حق التعليم والمتعلمين في بلد هو الأحوج إلى حملة الشهادات الجامعية.
القرار مخالف لمبدأ الحق في التعلم الذي فرضته الشرائع السماوية وبالأخص ديننا الحنيف، وهو مخالف للأعراف والأًصول مخالف لمبدأ ألحق في التعليم؛ الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو في تناقض مع المصلحة العامة، وقد تجاوز الوزير من خلاله صلاحياته.
ألم يكن الأجدر بالوزير أن يقترح على الحكومة افتتاح جامعة جديدة، بل جامعات جديدة؛ بدل إحكام سد أبواب الجامعة أمام مواطنيه وهو مسؤول عن التعليم.
انظر إلى السنغال بإمكانياتها المتواضعة كم لديها من جامعات حكومية، العدد يصل ثماني جامعات متكاملة من بينها جامعة للعلوم و التكنولوجيا، أما نحن فلدينا جامعة حكومية واحدة ولا تزال في طور المشروع ومنذ إنشائها في العام 1982.
كل الدول تتباهى وتتفاخر بعدد حملة الشهادات الجامعية من الماجستير إلى الدكتوراه وما فوق، ولن يكون بلدنا استثناء إلا إذا كان نشازا.
لقد سمعنا عن طلاب التحقوا بالجامعات وقد تجاوزوا سن الستين والسبعين، وسمعنا عن طلاب موهوبين التحقوا بكليات علمية ولم يبلغوا بعد سن البلوغ، فمتى كان السن عائقا أمام التعلم؟.
غياب المرونة والأريحية في التفكير للمسؤول معضلة لا ذنب للطلاب في الذهاب ضحية لها.
هؤلاء الذين حرمتهم من فرصة التعلم أيها الوزير هم أبناء القرى والأرياف والبوادي والمدن البعيدة، الذين كابدوا للحصول على الباكلوريا، فلو أنك حسبتهم من أبنائك لكان خيرا ولما فعلت.
على الوزير أي وزير أن يعرف أن بعض القرارات التي قد يتخذها قد تمس مصالح الناس والدولة وجدت لتلبية مصالح الناس ومطالبهم في حدود المنطق والإمكانيات.
على الوزير أي وزير أن يكون مقدرا لعواقب الأمور من وراء تصرفاته وأن لا يورط الدولة في معارك جانبية لا مبرر لها؛ فيكون بذلك قد أصبح عبء على من اختاروه لحل العقد لا لتعقيدها.
قوى الأمن الداخلي لم توجد للذود عن قرارات خاطئة يصدرها الوزير فلان أو الوزير علان، والحكومة إن سخرت إمكانياتها للتخندق خلف قرارات خاطئة لوزير معين بحجة الدفاع عن هيبة الدولة فإنما تجانب بذلك الصواب في الدفاع عن ما لا يمكن ولا يجوز الدفاع عنه.
لا معنى لمنصب رئيس الحكومة إن لم يكن قادرا على ضبط وفرملة سلوك وزرائه والتحكم فيما يصدر عنهم من قرارات تمس المصلحة العامة؛ وإلا فما معنى مبادئ التنسيق والإشراف والتنظيم والرقابة ووحدة المسؤولية وروح الفريق الواحد التي هي من أبجديات الإدارة العامة.
على الحكومة أن لا تتهاون مع التقصير وأن لا تقرأ توجهات الناس وردود أفعالهم قراءة خاطئة فالخرق قبل أن يتسع على الراقع يبدأ صغيرا صغيرا.
أحداث 1996 التي أحدثت هزة أمنية ونفرة شعبية بدأت إثر صدور ترخيص من مدير في وزارة معينة لم يلق له أحد بالا، خرجت معه مظاهرات عنيفة ومفاجئة رفضا للتلاعب بسعر الخبز إلى أن تم إبطال مفعول الترخيص وكادت تبعاته أن تحدث أمرا.
بعيدا عن المصانعة فالحق أحق أن يتبع، على الوزير العودة عن قراره الشائن، وعليه أن يتحلى بالقليل من الشجاعة الأدبية والتواضع ويقدم استقالته انطلاقا من مبدأ تحمل المسؤولية، فمن منا لا يخطئ، وقد تقبل الاستقالة وقد لا تقبل، وحتى لا يكون أحد فوق المصلحة العامة.
انواكشوط بتاريخ : 30 صفر 1441 هـــ
الموافق 28 اكتوبر 2019 م
بقلم: محمد لحبيب سيدي محمد معزوز
عقيد متقاعد