لكل خطاب محدداته وأساليبه وأهدافه. ويمتاز الخطاب السياسي عن غيره بلغة حمّالة أوجه تنهض فيها الكناية بدور رئيس لحاجة الخطاب السياسي إلى فائض المعنى، كحاجة المصارف إلى تعزيز أرصدتها من مختلف العملات إرضاء لزبائنها... والكناية بالتعريف.. " هي لفظ يعتمد على معنيين، واحدٌ ظاهرٌ غير مقصود، وآخر مخفي هو المقصود، بمعنى أن تدلّ كلمة أو جملة على شيء معيّن بشكل مباشر، ولكنها تخفي شيئاً غيره بشكل غير مباشر،..." للكناية في علم البيان ضوابطها التي تحدد شروط استخدامها. لكن الخطاب السياسية لا يتقيد بهذه الشروط غالبا لأنه يوظف الكناية لتحقيق أهدافه وليس معنيا بقواعد استخدامها، وفقا لقاعدة مكيافللي الذهبية...
ولعل النقاشات، عالية النبرة أحيانا، الدائرة هذه الأيام في بعض لجان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الفرعية، توظف الكناية بالونَ اختبار لما لم يحن "بيانه" بعد. فالمرجعية التي تدور حولها "المشادات" كناية غير منضبطة بقواعد النقاشات الحزبية الهادفة إلى البيان والتبيين. فالمعنى الأول للمرجعية هو أنها " مصدر صناعي من مرجع.. خلفية تاريخية سابقة." والملحّون على ضرورة بيان مرجعية الحزب لا يقصدون هذا المعنى بدليل ربطهم لها بالأشخاص، وهو ما يلائم المرجعية الدينية.. "سلطة، جهة، أو شخص ترجع إليه طائفة دينية معينة فيما يخصها، أو يُشكل عليها من أمرها." ومن المؤكد أن "المرجعيون" لا يقصدون هذا المعنى، لذلك لا بد من اعتبار "المرجعية" في خطابهم" كناية "تخفي شيئا غيرها..."
فمرجعيات الأحزاب، مهما كانت مشاربها وتوجهاتها هي نصوصها المعبرة عن فكرها، وهياكلها التنظيمية التي تترجم النصوص، وتسهر على تطبيق الفكرة. وقد وجدت أحزاب سياسية اتخذت من أفكار رجل أو رجال مرجعية لها، لكنها لم تعدّ الشخص بذاته مرجعية. ومن ثم فإن السؤال عن مرجعية حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ينبغي، إذا قصد منه البيان، أن يتجه إلى رؤيته الفكرية، ونصوصه بغض النظر عن الأشخاص. فقد أثبت الحزب، منذ تأسيسه، قدرته على البقاء بعد الأشخاص حين تناوب على قيادته عدة مناضلين، وهو ما لم يحدث في أي حزب موريتاني في العشرية الأخيرة باستثناء محاولة تناوب في حزب الاخوان انتهت بانشطاره.
إن الصيغة التي تثار بها زوبعة "المرجعية" يراد منها النكوص بالحزب إلى أن يصبح حزب شخص كما هي معظم الأحزاب في ساحتنا السياسية، بينما أراد مؤسسه، ويريد مناضلوه أن يكون حزبا وطنيا ينتج قادتَه فيتناوبون على السلطة في سلاسة ويسر يضمن الاستقرار وتراكم الجهود التنموية.
لا يبدو أن زوبعة "المرجعية" ستتعدى الفنجان الذي أثيرت فيه من وراء البحر، لتشير "القارئة"، أو قرابتها، على "المرجعيين" بالانتقال إلى "التورية".. " هي أن تحمل كلمة أو جملة معنيين أحدهما أقرب إلى الذهن لكنه غير المقصود، والثاني بعيد إذ أنه المقصود. قد تكون الغاية منها إثارة الذهن، [أو الفُرقة] أو الهروب من المساءلة القانونية." أو الحزبية...
د محمد اسحاق الكنتي