تعد ظاهرة التعصب من أخطر الظواهر الاجتماعية لما لها من خطورة على الفرد والمجتمع ’ ولقد كان للدين الإسلامي الدور البارز في محاربة و نبذ التعصب وكل ما من شأنه أن يؤدي إليه ’ وسنتطرق من خلال الحديث عن ذلك لأسبابه وأنواعه وطرق علاجه بشيء من الاقتضاب ’ ذلك أن التعصب في علم النفس والاجتماع يعرف بأنه مرض اجتماعي ومن الأسباب التي تؤدي إلى الكراهية والبغضاء في العلاقات الاجتماعية وحتى الشخصية حيث أن الشخص المصاب بالتعصب يعيش مجموعة من الأوهام اللاشعورية تفوت عليه فرصة حل الإشكالات التي تنتابه بطريقة واعية وواقعية ’ فهو شخص غير سوي ويعيش خارج المجتمع ’ ولقد عرفت البشرية عبر تاريخها بروز صور من التعصب مما شكل أساسا لمجموعة من الصراعات تعد مصدرا لتعاسة الإنسان وحائلا للتفاهم بينه والمحيط الذي يعيش فيه ’ ولهذا فان التعصب يترك بصماته على المصاب به ويخلق لديه صعوبات نفسية واجتماعية ’ تؤدي في النهاية إلى إعاقة النمو النفسي للأفراد ويدفعهم إلى الاضطراب ’ مما حدا ببعض علماء النفس الاجتماعي إلى القول على أن : { صاحب الشخصية التعصبية هو نفسه صاحب الشخصية المضطربة } ’ وهكذا عرف علماء الاجتماع التعصب بأنه : { غلو في التعلق بشخص أو فكرة أو مبدأ أو عقيدة ’ بحيث لا يدع مكانا للتسامح ’ وقد يؤدي إلى العنف والاستماتة } والتعصب كما تشير أدبيات العلوم الاجتماعية المعاصرة قد يشكل موقفا أو اتجاها ينطوي على التهيؤ الفردي أو الجماعي للتفكير أو الإدراك أو الشعور بشكل ايجابي أو سلبي تجاه مجموعة أخرى أو أي من أفرادها .
لا نود هنا الإسهاب في حشر جميع التعريفات التي قدمت حول ظاهرة التعصب والتي شكلت وتشكل عائقا أمام التفاهم والانسجام البشري خاصة فى زماننا اليوم ’ زمان العولمة والقولبة القيمية والسلوكاتية ’ التي وفرت ولا تزال نمطا من المعايير بغية صياغة العالم في بوتقة واحدة ’ و إنما سنتعرض للأسباب الكامنة وراء انتشار هذه الظاهرة الباثولوجية ’ حيث نقول إنها تناولتها الدراسات العلمية في علم النفس والاجتماع ولذا فإنها تنطوي على مجموعة من الأسباب المتداخلة والمتشابكة ’ بمعنى أنه لا يمكن تناول هذه الظاهرة من جانب واحد ’ مما يحتم أن تكون نظرتنا إليها نظرة شمولية متكاملة ’ ومن أهم أسبابه تضخم الذات كما قال فرعون : { ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } والذات هنا بمعناها التوتاليتاري الشمولي الفضفاض ’ ذات الشخص أو الجماعة أو الدولة ’ أي الذات التي تكون مرجعية للشخص وينتمي لها و إليها ’ كما أن الشعور بالنقص والدونية هو الآخر تجل من تجليات التعصب ’ زد على ذلك أن الجهل ونقص المعرفة وعدم توسيع المدارك والتقوقع الذاتي كلها أمور تؤدي إلى التعصب ’ ولذا فان الهجوم اليوم على الإسلام والمسلمين ومحاربتهم من لدن الغرب هو بسبب الجهل لرسالة الإسلام السمحة ’ فهو دين العالمين دون استثناء ’ يعلمنا كيفية التعايش والسلم الأهلي والمدني كما نجد فيه التنشئة الاجتماعية ’ مثلا الأسرة التي تعتبر النواة الأولى لتربية النشء وفيها يأخذ الطفل زاده من التربية إيجابا أو سلبا { المرء يولد على الفطرة فأبواه يهودان أو يمجسانه أو ينصرانه } ’ فأي أسرة تميز ضد اللون أو الجنس أو القبيلة والجماعة ’ أو الفكر ’ وتغذي روح التعصب والتطرف ضد الآخر ستنتج لا محالة أناسا متعصبين ومتزمتين ومتحجرين ومتطرفين ’ باعتبار الأسرة كما قلنا نواة المجتمع وعموده الفقري ’ كما أن الفهم الخاطئ للنصوص الدينية يجر صاحبه إلى أن يكون متعصبا ذلك أن التعصب الصليبي ضد المسلمين كان ناتجا عن فهم خاطئ لمبادئ الدين النصراني ’ والتعصب المذهبي الذي أدى إلى رفض الإسلام كان ناتجا هو الآخر عن قصور أو فهم خاطئ من الكهنة ’ كما أن غياب العدالة مدعاة إلى التعصب والكراهية اللذين يميلان بالمتعصب إلى العدوان للحصول على حقوقه ’ وهنا يبرز دور الأسرة و المؤسسات الدينية والتربوية والتكتلات الشبابية والإعلامية البناءة والمجتمع المدني الى لعب دورها في تنمية مفاهيم تقبل الآخر والتعايش السلمي المشترك ’ ويمكن لنا أن نقدم صور ونماذج متعددة للتعصب مثل التعصب الفكري أو الإيديولوجي وهناك التعصب الحزبي الذي يكون عادة على أساس فئوي أو حزبي أو للجماعة التي ينتمي إليها الفرد ’ ويحاول الانتصار لها إما باطلا أو حقا مضفيا صفة القداسة والعصمة عليها ’ وهو ما نعيشه اليوم في أحزابنا السياسية ’ وحتى أنك عزيزي القارئ تجد بعض الأحزاب تسمى باسم أشخاصها ة مثلا حزب فلا ن أو علان ’ كما أن التعصب القومي لا يقل هو الآخر شأنا عن سابقه والتعصب المذهبي كذلك وصولا إلى التمييز العنصري كتمييز البيض ضد السود في أميريكا ’ أو التمييز لاختلاف الأرض والوطن كما حصل ضد المهاجرين واللاجئين أو التمييز ضد أبناء القبائل الأخرى في الوظائف المدنية والعسكرية ’ كلها أمور تولد التعصب والكراهية ’ ذلك أن التعصب ليس سلوكا قطريا وإنما سلوك مكتسب عن طريق التعلم والمران ’ بمعنى ليس هنالك من يولدوا متعصبين ’ إنما هو من اختلاق البشر ’ ولهذا يجب القضاء عليه وعلى الأسباب التي تقود إليه ’ وهو عادة ما يرتبط بالجماعات وليس مرتبطا بالضرورة بالأفراد ’ وحتى نحمي أنفسنا من ظاهرة التعصب ومواجهتها بشكل فعال يتطلب منا جميعا تضافر الجهود وخاصة مؤسسات المجتمع ’ الأسرية والدينية والتربوية و مجتمع مدني وقادة رأي وأحزاب سياسية وإعلاميين ومثقفين بضرورة القيام بدورهم في نبذ العنف والتمييز وزرع قيم التسامح والعدالة والمساواة بين بني البشر .
والسلام على من اتبع الهدى ونهى النفس الأمارة بالسوء عن الغوي
ذ ـ السيد ولد صمب أنجاي
كيفه بتاريخ : 11 ـ 11 ـ 2019