من جديد يخرج باباه ولد سيدي عبد الله من جحره وهو يتسلل تحت أجنحة الظلام ليلقي بعضا من مخزونه من البذاءة واحتياطه من قواميس السقوط والقول الفاحش.
يلقي باباه "مواعظه" متناسيا أن الناس تعرفه وتتقن احتقاره، منذ تسكعه في أزقة القديمة في كيفه قبل أن يلقي به القدر إلى التطفل على موائد وولائم نواكشوط، قبل أن يلج الإذاعة الوطنية من بابها الضيق، حيث كان دخوله إلى مباني الإذاعة يعني حالة إنذار شاملة تغلق فيها الأبواب وتتمسك السيدات بحقائبهن خوفا من معاودة الفتى هوايته المفضلة في نشل حقائب السيدات؛ ذات يوم صيفي من أيام نواكشوط خرج على غير عادته عن ثوب التملق والاستكانة محاولا النيل من إحدى سيدات الإذاعة، فقاده حظه العاثر إلى خارج أسوارها ولم تشفع له قصائده العصماء التي دبجها في مدح معاوية وتخيل إنجازاته وفتوحاته وكتبه الصفراء المسطرة بمداد مرق التملق والكذب والنفاق.
بعد الإذاعة، توالت غزوات البيوت والدوائر الحكومية ونجوم الليل وسيدات المجتمع: نشل الحلي والوثائق الحكومية و محتويات الحقائب النسوية من ما خف حمله وغلى ثمنه.
لكن هوايته الأولى وموضع إبداعه "النشل"، قادته إلى تجارب خارج الحدود، مع بعض الصحافة الإقليمية التي لا يزال مسؤولوها وعمالها يتندرون بها كل ما ذكرت موريتانيا وصحافتها.
لم يغفر باباه سيدي عبد الله لفخامة رئيس الجمهورية أنه صد تملقه، حيث كان أول من نظم شعرا في مدح الرئيس محمد ولد عبد العزيز، معتقدا آنذاك أن أبواب التملق مازالت مشرعة له ولأترابه.
فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومنهم باباه الذي كان في بحث مستمر عن من يشتري بذاءاته فوجد ضالته في عصابة تجار المخدرات وبائعي السلاح ومهربي البشر والخارجين عن القانون.
وجد باباه ضالته و مصروفه، لكنه لن ينال لا ثقة المثقف ولا الإعلامي ولا حتى المعارض، بل سيبقى بائعا في عتمة ليل الأخلاق والمروءة
دداه فاضل