ليست الأخت الإعلامية السالكة بنت اسنيد -زوج الشاعر الرمز العميد أحمدو ولد عبد القادر- مجرد امرأة عادية كغيرها من النساء في هذا المجتمع، بل كانت نبراس وعي وثقافة وفكر، كانت شعلة نور تتفتق لتضيء لبنات مجتمعها، تميزت عن باقي بنات جيلها بما سطرته من نضال فكري وسياسي أسهم إسهاما كبيرا إلى جانب رجال كان لهم الفضل في دفع النظام وقتها لتحقيق الكثير من الإنجازات الهامة أثناء مراحل متقدمة من تأسيس الدولة،
في تسجيل متداول على شبكات التواصل الاجتماعي يتحدث الزعيم الجزائري الراحل هواري بومدين، أنه حقق الكثير من المطالب للرئيس المختار ولد داداه من بينها ضمان العملة الوطنية "الأوقية" وتأميم ميفرما، حين كان يحدثه عن ضرورة تحقيق إنجازات للتخفيف من ضغوط مجموعة الشباب التقدميين "الكادحين" أنذاك، ولم يكن ذلك الشباب وقتها إلا مجموعة النخبة السابقة -ذات الوعي السابق لأوانه- في تلك الفترة من تاريخ مجتمع يسوده التخلف والجهل والبداوة، وهي النخبة القليلة والتي كان من بين قيادتها آنذاك الأستاذة الرمز السالكه بنت اسنيد،
تلك النخبة التي تشربت من اوائل قطرات الحضارة الحديثة التي كانت تتنزل وقتها ببطئ على هذه الأرض، وتروت من معين الفكر الحضاري والسياسي، فكانت شعلة النضال والفكر والثقافة، ولعلها- أو بالتأكيد- هي من عناها الشاعر أحمدو ولد عبد القادر وقتها في قصيدة رسالة إلى سجينة:
أصديقتي ورفيقتي أهدي إليك تحيتي *
هذي الرسالة تستبين مشاعري في غربتي..
لم تكن السالكه وقتها سجينة جرم ولا جنحة ولا حتى مخالفة بل كانت سجينة حق أمة كاملة في الوعي والتقدم والإصلاح..
أخبرتني مرة من طريف ما كانت تتحفني به دائما عندما أزورهم، ونحن نتحدث عن دورهم في توعية المجتمع وتثقيفه في -تلك الفترة- أنه كانت لديهم مهام خاصة يكلفون بها بعض المنتسبين ممن لا يستطيعون الإندماج الكلي في الحركة بأي سبب كان -مثل عدم الثقة في قدرة الشخص على كتم أسرار الحركة- أو انعدام المستوى الفكري الذي يسمح بتأطيره.. إلخ..
وكان من بين تلك المهام تكليفهم بالتوعية ومن بينها أن يتكفل الإنسان بإقناع كل من يلاقيه بأن "السل أو المص ماهو خالك"
لقد كان ذلك وقتها صعبا-ف"السل" وقتها كان يمثل 90 بالمائة من الأمراض الموجودة، فكل من أصيب بالاغماء وما أكثره وقتها نظرا لسوء التغذية بل وانعدامها مما ينجم عنه ما يعرف بفقر الدم" أو بالإرهاق فهو مسلول وكل من نظر إلى شخص وشعر بعدها بأي شعور غير مريح فهو سلال، فكان من بين ما قامت به تلك النخبة بعد النضال السياسي، تثقيف المجتمع وتوعيته والنهوض بمستوى عقليات..
وقد ساهمت بعد ذلك بمسارها العطر في دنيا الثقافة والمعرفة والأدب والصحافة، فكانت طيلة فترة أدائها مثال الوعي والالتزام والمهنية والأخلاق..
وليس توفيقها -أو توفيقه- في أن تكون والدة أبناء الأستاذ الشاعر عميد الأدب العربي الموريتاني، صاحب الملاحم الشعرية والروايات الملحمية الأستاذ أحمدو ولد عبد القادر إلا دليلا على عزة مكانتها ورجاحة عقلها..
وليس غريبا أن يتخذ فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، قراره بالتكفل بعلاجها إلا مجرد جزء أخلاقي يسير مما عبرت عنه مسيرته الأخلاقية الأصيلة منذ اللحظة الأولى من أول خرجة إعلامية في إعلان الترشح وما تواصل بعدها من خطى في سبيل وضع الدولة والأمة بأكملها على سكة الأخلاق التي كان من المفترض ومما ينبغي أن تكون عليها أبدا أزلا..
وهو بهذا يحقق إبدأعا عكس ما ذهب إليه المتنبي، فقراره الموفق هو محض وضع الندى في موضع الندى، فهو تكريم لكل من ضحى لصالح الوطن، وهو تكريم خاص للأستاذ الرمز أحمدو ولد عبد القادر الذي ما زال أطفالنا يغنون له "فرحة العيد" و"في الجماهير تكمن المعجزات" و"بين خفق الرؤى وتذوب الخيال.." و"وادي والأحبة هلا كنت مرعانا...
فله جزيل الشكر والامتنان -ولمدير ديوانه الأستاذ محمد أحمد ولد محمد الأمين، والذي اختاره لإدارة ديوانه، طبقا للرؤية والاستراتيجية الأخلاقية التي تعتمدها قمرة قيادة البلد كبسولة لاتجاه الطريق،
فشكرا لهم باسم كل من ضحوا بوقتهم أو جهدهم أو بأقلامهم أو بأي وسيلة لصالح هذا الوطن وهذه الأمة..
وشفى الله تعالى أستاذتنا وأختنا السالكه بنت اسنيد وأعادها إلينا سالمة غانمة..
بقلم: عبد الباقي ولد محمد