إعلان

تابعنا على فيسبوك

الكنتي يكتب: "الرقص مع الإخوان"

أحد, 03/05/2020 - 16:17

"إن الشرع الإسلامي ... يوجب على كل من آمن به ورجع إليه، طاعة الرئيس المنتخب شرعا، وتنفيذ أوامره، والاستجابة لتوجيهاته، في كل شؤون الحياة، بشرط ألا يأمر الشعب بمعصية ظاهرة لله، بينة للمسلمين، وألا يأمر الشعب بأمر يخرجهم به عن دينهم، ويدخلهم في الكفر البواح".(من فتوى القرضاوي نصرة لمرسي رحمه الله). وهي فتوى اعتمد فيها ما هو مشهور في الفقه الإسلامي من وجوب طاعة أولي الأمر. لكنه تنكبه حين حرض على أولي الأمر في تونس ومصر وليبيا معتمدا على تأويلات بعيدة، وأقوال شاذة.. (وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (النور49).
 حين حلت نازلة الوباء العالمي وأجمع أهل الذكر من الأطباء على أن أنجع السبل لمواجهته هي التباعد بين الناس لسرعة انتقال عدواه، عمدت الغالبية العظمى من الدول الإسلامية إلى إغلاق المساجد وتعطيل الجُمع. ولم تذهب بلادنا هذا المذهب وإنما اكتفت بتعليق الجمع مع إبقاء المساجد مفتوحة بضوابط التباعد بين المصلين. وصدر تعميم بذلك من الجهة المخولة شرعا. فانبرى شيخ الجماعة بفتوى لأتباعه بصلاة الجمعة في بيوتهم! وهي فتوى لمنتسبي جماعة الاخوان المسلمين في بلادنا، لأن المواطن يأخذ الفتوى من الجهات الرسمية المخولة بالإفتاء، ولا ينتمي محمد الحسن ولد الددو إليها، وإنما هو شيخ الجماعة وعضو رابطة علمائها الدولية.
 واجه فقهاؤنا فتوى شيخ التنظيم، فبينوا بالأدلة النقلية والعقلية تهافتها فاعتذر صاحبها بالسيارة والسفر حين كُشف بطلان عزو بنى عليه قوله! وانتهت المناظرة بانقطاعه، وبذلك انتهت حقبة البازي المصرصر. فقرر التنظيم نقل "فتوى الشغب" من النقاش العلمي، الذي خسره سريعا، إلى جمع التوقيعات، وإصدار البيانات، وهو المجال الذي اكتسب فيه التنظيم خبرة واسعة؛ استثمار القضايا الدينية في السوق السياسية. فعلوا ذلك من قبل عند حادثة حرق المصحف، فنظموا المظاهرات التي هددت السلم الأهلي وأضرت بالممتلكات العمومية والخصوصية. كان ذلك في جو خصومة سياسية عاصفة بين معارضة وموالاة. لكننا اليوم في جو تهدئة سياسية كانت الجماعة بسفهائها و"راشديها" أكبر مستفيد منها. والوضع الدولي والوطني يتطلب الهدوء وتوجيه كل الجهود لمكافحة الوباء، وليس في الأفق أي استحقاق انتخابي فما الذي يدعو التنظيم إلى "التسخين"؟!
 يقول تاريخ جماعة الإخوان المسلمين إن أكثر الأنظمة تضررا منها هو ذلك الذي يغض عنها الطرف، أو يسالمها، أو يتحالف معها. فقد استثناها عبد الناصر من قانون حل الأحزاب فحاولت قتله في حادث المنشية. وأخرج السادات أعضاءها من السجون ووظفهم في حربه على القوميين واليساريين فقتلوه في حادث المنصة. زوج الصادق المهدي زعيمهم أخته، وتحالف معه فانقلب عليه! أخرجهم الزين من سجون بورقيبة وحرر رقاب قادتهم من حبل المشنقة فتآمروا عليه. تحالف معهم علي عبد الله صالح فطعنوه في الظهر... 
 وحين فجر الليبراليون فتنة الربيع ركبها الإخوان في حلف مقدس مع العلمانيين لكن سرعان ما غدروا بهم في تونس ومصر وليبيا. ولم تشذ نسختهم عندنا عن هذه القاعدة المطردة... تحالفوا مع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في انتخابات مجلس الشيوخ ثم نادوا برحيل النظام وتجهزوا للثورة. طالبوا المعارضة بمقاطعة انتخابات 2013 النيابية والبلدية وشاركوا فيها! أفشلوا محاولة المعارضة الالتفاف حول مرشح موحد في انتخابات 2019 الرئاسية ورشحوا أحد خصومهم السياسيين!
 في كل هذه الأمثلة رقص الإخوان مع من يعدونهم ذئابا. لكن الذئاب حرصت على مسافة أمان فلم تتجاوز "رقصة الزومبا" فاحترق الإخوان. لكن النميري الطروب اللعوب وقع في فخ "رقصة سلو Slow ) فتلقى "قبلة الموت".. "ربما كانت تجربة الإخوان المسلمين في السودان أثرى التجارب الإسلامية في التعامل مع السلطة، فقد اعتمد الإخوان السودانيون منهجا إيجابيا في العلاقة بالسلطة، اختلفت صور التعبير عنه من المواجهة الشعبية إلى التحالف الوثيق، ومن الغزو الخارجي إلى الاختراق الداخلي، ومن منابر البرلمانات والجامعات إلى ثكنات الجيش والأمن." ربى النميري الأفعى في كمه فلدغته في الهزيع الأخير من ليل حكمه. انتشرت خلايا الإخوان في نظام سيطرت على جهاز مناعته، فكان النميري يذبل ويزهرون.. "وقد نجحت حركة الإخوان في السودان في جني ثمرة ذلك التحالف على جبهات عدة، منها: النمو والامتداد السريع في قاعدتها، واكتساب خبرة ومراس سياسي وإداري، وبناء قاعدة مالية قوية، واختراق الجيش والأمن." (محمد بن المختار الشنقيطي: الإخوان والعلاقة بالسلطة، موقع الجزيرة نت).
 لم تكن "فتوى الشغب" المظهر الوحيد من مظاهر "تسخين أكَرطْ"، وإنما رافقتها حملة ممنهجة للتشهير بأركان النظام، لم يسلم منها وزير ولا مدير. تهم بالفساد، وثائق مسربة، ووقائع مفبركة لإحراج نظام، في زمن الحرب، فتح أبواب القصر الرمادي جهارا نهارا، أمام رئيس حزبهم بعد أن كان سلفه يلتحف الدجى للولوج من أبوابه الخلفية! نظام نفخ الروح في مؤسسة المعارضة التي يسيطرون عليها وتقاطعها المعارضة! نظام لا يعترفون بنتائج الانتخابات التي خسرها مرشحهم وأوصلت رئيسه إلى السلطة! 
في هذا الجو المشحون يطالعنا أحد مواقع الإخوان بهذا العنوان: "الكتلة البرلمانية لتواصل تقرر حل أزمة الكهرباء بمناطق في الداخل." وكأن حزب تواصل هو الحزب الحاكم!
فهل كان "التسخين" والعزف على أوتار الفساد الحساسة مدخلا لحفلة الرقص مع الإخوان!!

د محمد اسحاق الكنتي