دائما ما يشهد هذا الفضاء تهجما ظالما على الأدلجة والايديولوجيا دون انصاف ولاموضوعية، وحتى دون فهم أحيانا..فالايديولوجيا بالنسبة لهم شر مستطير وهي المسؤولة عن كوارث الوطن والعالم وماكان وماسيأتي...
دوافع التهجم على الايديولجيا عديدة منها ماهو ايديولوجي بذاته، يقتبس من الاستاذ الكبير فوكوياما الذي بشر بموتها وانتهاء تطور التاريخ بسيادة الانسان الراسمالي الامريكي، فالليبراليون هم اكثر الناس تهجما على الايديولوجيا رغم انهم مؤدلجون..لكنهم غالبا يقصدون بها اليسار (بشقيه القومي والماركسي)، والتحرر من الايديولوجيا عندهم يفتح الطريق لحرية السوق ولنهم الانسان الربحي وللثقافة الاستهلاكية على حساب كل القيم الانسانية والاجتماعية..
اما الدافع الثاني فهو تزلفي صرف، اذ تستخدم الانظمة وطفيليات الفساد قناع التهجم على الايديولوجيا، لان البديل في هذه الارض المنكوبة خصوصا، هو انعدام الضمير وتفشي قيم النفعية والرشوة وانقياد الشباب ببطونه وولاءاته القبلية والعشائرية والجهوية ..ولم تتجذر قيم التعفن والارتكاس الرجعي والايواء الى كهوف الماضوية الا بعد ان ضعف تأثير التيارات الايديولوجية الحقيقية(الناصريين والبعثيين والكادحين )..
ان الأدلجة ليست وحيا وليست قانونا حتميا مكتوبا بالبراهين الرياضية، بل هي ترجيح لموقف فكري في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والذين يدعون الهجوم عليها من منطلق تعصب اهلها، لايفرقون بين النفسية الدوغمائية للانسان، وبين الايديولجيا بحد ذاتها..
واذا كانت العلوم الانسانية بمافيها علم الاجتماع والاجتماع السياسي والاقتصاد، قد استقلت عن الفلسفة، فإنها ليست علوم يقينية صرفة..فعلى المستوى الاقتصادي لايمكن لأحد اليوم مثلا ان يثبت بالدليل العلمي القاطع ان الرأسمالية افضل من الاشتراكية ولا العكس كذلك..ولا ان يثبت ان المذهب الفيزيوقراطي الطبيعي أفضل من المذهب الماركنتيلي او من المذهب الكلاسيكي، او العكس..وسياسيا لايمكن علميا اثبات أن القُطرية او الاقليمية افضل من القومية او العكس ولاان الاخيرة افضل من الأممية...كلها اجتهادات بترجيح وادلة وجيهة لكنها لاتصل الاثبات العلمي ولو وصلت كذلك لماحصل الاختلاف والاجتهاد البشري...(طبعا لقد زعم الماديون ان تفسيرهم للتاريخ والتطور والسياسة والاقتصاد تفسيرا علميا، وزعم المثاليون كذلك، لكنهم لايستطيعون اثبات ذلك لان الخلاف ميتافيزيقي يقوم على جدلية المادة والفكرة وايهما الاسبق...)
لقد تحمل المؤدلجون الكثير من جلافة ضحايا الصدفة، ورغم اننا نحتفظ لغير المؤدلجين بالكثير من عدم الاعجاب (تخفيفا للعبارة ) ونستطيع إظهار عورهم الثقافي والفكري والفلسفي، الا ان معاركنا لم تكن يوما معهم، لانهم لايشكلون أهمية في ثنائية (التأثير والتأثر)..
فغير المؤدلج بالنسبة لنا هو مجرد إنسان مائع يميل مع الريح حيث مالت ويترك للصدف مهمة توجيه السياسة كما يقول المفكر محمد يحظيه ولد ابريد الليل...
غير المؤدلج عبارة عن نصف مثقف غالبا، لارؤية ولاهدف ولامشروع، ولو امتلك ذلك لصار مؤدلجا..والاخطر من ذلك انه دائما يكون الحلقة الاضعف في أي صراع ينشب بين القيم وبين المادة..بين سلطة الضمير وبين مغريات الحياة...
مؤدلجون اليوم وغدا...ولله الامر من قبل ومن بعد...
أحمد حمينه