الشيخ بن بيّه من أكابر العلماء في العالم الإسلامي.. حظىَ الشيخ باهتمام عالمي في الشرق والغرب، وقد راجتْ مقولته الشهيرة “يجب أن نعلن الحرب على الحرب.. لتكون النتيجة سِلمًا على سِلم”.. بعد أن استشهد بها الرئيس باراك أوباما في خطابٍ له بالأمم المتحدة. تُمثِّل هذه العبارة جوهر المشروع الفكري للشيخ بن بيّه. إنّه داعية الأمن والسلام.. وحسب تعبير أحدهم “إنّه يجمع ولا يفرِّق، ويُنير ولا يثير”. وحسب تعبير الشيخ عن مشروعه: “يجب الاتفاق على الاختلاف”.
إن قضية الوحدة الإسلامية هى قضية شائكة للغاية، حيث اختزلتها حركات الإسلام السياسي لقرونٍ طويلة في فكرة الخلافة وإقامة دولة مركزية واحدة لكل المسلمين.. وجرى القول بقتال أيّ دولة مسلمة لا تكون جزءًا من مشروع الخلافة. لقد أدّت هذه الفكرة إلى تفجير بحار الدم على مرّ التاريخ الإسلامي، ولم تكن راية الخلافة في حقيقة الأمر سوى راية الحرب الأهلية في الإسلام.
أفتى الشيخ بن بيّه بأن الدولة الوطنية هى دولة شرعية، وليست ابتداعًا في الإسلام. ودلّل الشيخ على ذلك بدولة المسلمين في الحبشة بقيادة الملك النجاشي، والتي لم تكن جزءًا من الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وقتها. ومع ذلك لم يطلب المسلمون العرب من أهلها الهجرة، وحظيتْ دولة المسلمين في الحبشة باحترام دولة المسلمين في الجزيرة العربية. ولم يطالب أحدٌ بدمج الدولتيْن معًا في دولةٍ واحدة أو خلافةٍ واحدة.
يقول الشيخ بن بيّه: “إن راية الخلافة التي يحملها المتطرفون.. راية وهميّة، ولا تقوم على أسس شرعيّة”.. “إن دولة الخلافة هى صيغة حُكم غير ملزِمة.. ولا يجوز نزع الشرعية عن الدولة الوطنية”.. “في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت توجد دولة أخرى رأسها ملكٌ مسلم.. هو النجاشي الذي أسلم، وتركه النبي في مُلكِه هناك في الحبشة، ولم يأمره بالهجرة أو المجيئ”.. “لقد تجاوز علماؤنا ذلك، وذكروه في باب الجنائز.. حين أَطْلع الله نبيّه غيبًا على وفاة النجاشي.. فقام وكبّر أربع تكبيرات عليه”.. “إن دولة الخلافة وهْم، وقتْل النفوس من أجلها لا مبرِّر له شرعيًّا”.. “الوحدة الإسلامية محلّ أشواق لدى البعض، ومحل إشفاق لدى البعض الآخر”.. “يقوم الإسلام على مركزية قيم العدل والإحسان: “لا تؤمنوا حتى تحابّوا، ومثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.. “إن الوحدة لا تعني أن يكون المسلمون كلهم في كيان سياسي واحد. الدولة الوطنية شرعيّة، والإسلام يحرِّم القتال لأجل إقامة الكيان الواحد.. دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام”.
يعمل الشيخ بن بيّه على تفكيك الإدعاءات الشرعية للخوارج الجُدد، ويذهب للقول: “إن تقسيم العالم الإسلامي إلى داريْن: دار الإيمان ودار الكفر.. كان له سياقُه التاريخي.. حيث كان المغول يغيرون على أراضي المسلمين وبلدانهم، والآن يجب إعادة النظر في ذلك في ضوء التغيّرات السياسية”.. “إن فتوى ماردين التركيّة قبل (700) عام والتي قال بها الشيخ ابن تيميّة قد تم تحريفها لتصبح أساس فتاوى الجهاد والولاء والبراء.. لقد تمّ التحريف أثناء الطباعة. كان النص قبل التحريف “يُعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقّه”.. وأصبح النص بعد التحريف: “يُقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه”. لقد تمّ حذف كلمة “يُعامل” ووضع كلمة “يُقاتِل”.
أبدى الشيخ بن بيّه شكوكه إزاء مآلات الثورات العربية المعاصرة، وانتقد بعضًا منها قائلًا: الثورات التي أمامنا.. هى حروب تدميرية، وتقطيع للأرحام، وتشتيت للأمّة”. ودعا الشيخ إلى عودة الأمن والسلام، وأعادَ إلى الأذهان حديثًا لم يعد متردّدًا.. رغم وروده في البخاري – عن أنّهُ من الإيمان “بذل السلام للعالم”. وحسب الشيخ بن بيّه “العالم هو كل ما سوَّى الله”.. “وعلى ذلك فالعالم يشمل كل الموجودات والكائنات”.. “والإسلام يتضمن السلام للعالم.. للإنسان وللبيئة معًا”.
——————-
نقلًا عن صحيفة “الأهرام” المصرية. والنص أساس لحلقة نقاشية، يقدم فيها الباحث الدكتور محمد أبو الحسن مشروع كتابه “العرب والمسلمون والنظام العالمي.. الدين والسياسة في فكر العلامة الشيخ عبد الله بن بيه”