ليس من البر التراشق وقت الضر :معلوم أن مستوى إيمان الفرد يتحدد صعودا بقدر بذله، دفعا للشدة وتخفيفا للعبء محققا " وتعاونوا على البر" ومجسدا "الذين ينفقون في السراء والضراء.." ويعرف هبوطه بالسلبية والانكفاء ويصل الحضيض بالتخوين والإرجاف وتتفيه الجهود وبث الرعب.... مشكلا عونا على الإثم والعدوان ونصيرا للجائحة على الإخوان....
على أن النوع الثالث من المؤمنين هم من سقتهم الجائحة كأسها المترعة: مرضا وحجرا وإغلاقا للمحالّ، ووقفا لنشاط المهن، وألزمتهم انقطاعا من الأهل وأذاقتهم فقدان الأحبة " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصبرين.."
فبصبر هؤلاء وجلدهم وتجدد ثقتهم في أن ما عند الله خير وأبقى يرسمون الأنموذج السوي الذي يتعين أن يكونه كل ذي إيمان ومروءة.... محققا قوله تعالى " والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس....." مدركا أن الذي يجري اختبار من الله والإجابة النموذجية عليه تنحصر في التلاحم والتعاضد والتكافل والتوجه إلى الله بقلوب وجلة وألسنة من ذكر الله رطبة...
كنا إذا نزل البلاء بأرضنا
فزع الشيوخ إلى الدعاء فيصرف
من نافلة القول التذكير أن المحن مؤلمة باعتلال الأبدان وآصار التمريض وآثار الإغلاق وتبعات الحظر....
ونحن في غنى عن العطف على أن "كوفيد١٩" عبر القارات طحنا لكبرياء الأقوياء وتعجيزا لمن قالوا على شاشات الفضائيات العالمية: "من أشد منا قوة" إن الجدير بالتذكير هو أن البريق يكون أبلغ عند اشتداد العتمة وأن تمحيص المحن كفيل عند العقلاء بإذهاب الإحن تجنبا للانكسارات واسشترافا للمنح واعتقادا أنه لن يغلب عسر يسريين... الوقت وقت توضع فيه الخلافات السياسية على الصامت، ويتم فيه التعالي على تصفية الحسابات ويحلو فيه نسيان الخصومات.... وقتٌ لا توجه في الأحبار إلا للتوعية؛ رفعا للمعنويات، وشحذا للهمم، وتثبيتا للنفوس، وشدا على أيدي المرابطين على ثغور المشافي ومراكز الوباء....
الوقت وقت امتثال للإجراءات، وتقيد بالتعليمات، وتحلٍ بسعة الصدر، وسخاء النفس؛ تطوعا بالوقت، وتعبدا ببذل الدرهم وتعففا عن المسألة.... الوقت وقت ركون للدعاء وملازمة للركوع واستمتاع بالسجود وتلذذ بالقرآن وأنس بالله وتحصن من اليأس: رقةً في القلب وإسبالا للدمعة؛ تلمسا للرحمة وتحسسا للغيث؛ حذرا على معادن الأنفس النفيسة وخوفا من الانكسار...
اللحظة التي يتجاوز فيها عدد المصابين ألفي شخص يتعين على العالم الإسهام توجيها ويتحتم على الطبيب نثر كنانته طمأنينة وتهدئة للروع ويجب على من أوتي بسطة في المال أن يلتفت إلى من تقطعت بهم سبل العيش وضاقت وارداتهم..
.. أثبت التاريخ أن اشتداد المحن يثمر السعادة مآلا والرخاء نهاية فيزرع الواقعون تحت وطأة الجوائح بحثا عن تحقيق الاكتفاء ويقومون بمثل ذلك تصنيعا وعلاجا: إبداعا في إيجاد الحلول وتنويعا في تذليل الصعاب واستغناء عن جهات كانت عليها الاعتماد ..... علينا أن نستحضر أن دوام الحال من المحال وأنه لا رخاء يدوم ولا شدة تستمر وأنه رب ضارة نافعة وكم محنة في طيها منحة.... اللهم إنك قلت وقولك الحق: "ادعوني أستجب لكم..." نسألك أن تلبس مجتمعنا دوام العافية وتمام العافية والشكر على العافية رفعا للبلاء وإنهاء للوباء وكفاية للهم والغم..
أحمد سالم بن ما يأبى