رغم تأكيد كافة الدساتير الموريتانية عليها، فقد بات العديد من الرؤساء السابقين لبلادنا في إحراج شديد من تأسيس محكمة العدل السامية، إما خوفا على محيطهم الاجتماعي، أو على أنفسهم ومحيطهم في نفس الوقت، بحكم إدراكهم لخطورة ما صدر أو قد يصدر عنهم أو عن أفراد محيطهم من تصرفات تخالف في الكثير منها ما يفترض أن يكون الرئيس ومحيطه أهلا له بحكم التزامه الرسمي بحماية الدستور والقانون والحوزة الترابية.
ولأننا الآن ،نعيش في كنف حكم رئيس لا يساوره أبدا في نفسه، لا عنه ولا عن محيطه الاجتماعي أو السياسي أدنى خوف مما يترتب على إقامة تلك المحكمة من عواقب قد تلحق به أو بمن حوله أدنى ضرر، رئيس يشهد له الجميع بالاستقامة والمسؤولية والإرادة المكتنفة بالحكمة والتروي-
فإن بلادنا ستكون محظوظة كثيرا إذا قيض لها تأسيس محكمة عدل سامية بالمعايير والنظم التي تضبط مثيلاتها في البلدان المتقدمة جمهوريا.
بل إننا سنكون أكثر حظا إذا أتيح لنا تغيير دستورنا بما يضمن وضع مواد تفرض إنشاء هذه المحكمة في أول جلسة للبرلمان بعد انتخابه مباشرة، وأن يكون لها من التحصين، ما لمحدودية المأموريات من مواد تحصينية.
إن إنشاء محكمة عدل سامية، بتلك المواصفات سيجعل منها -بلا شك- عصا زاجرة ضد تغول أي حاكم مستعينا بسيف السلطة، وبالتالي فإنها ستكون مساعدا هاما لضبط تصرفات الرئيس حتى يتمكن من أداء وظيفته بحكمة ومسؤولية.
وسيكون لذلك الأثر الكبير في إصلاح شؤون الدولة والعباد.
إن مساءلة أي من رؤسائنا السابقين، ممن تميزوا بالمسؤولية ونظافة اليد، عما لو أتيحت له الآن العودة ليوم واحد في الحكم، فما هو القرار الذي سيتخذه لصالح مستقبل البلاد؟ لن يجيب -بالطبع- في البداية ببداهة الطالب المذاكر الذكي، بل إنه سيمعن التفكير كثيرا، وسيقوده تفكيره حتما إلى ما كان بمقدوره أن يقدم لشعبه ووطنه أثناء وجوده في السلطة، ثم إلى ما شاهده ولقياه من ظلم وعناء بعد مغادرته للسلطة، مما لم يكن يستحقه أو تسبب فيه أصلا، وليس في اعتقادي مطلقا، أنه سيجيب بعد ذلك، بغير اتخاذ قرار سريع بوضع آلية فعالة لضبط أداء وسلوك أعضاء الجهاز التنفيذي بدءا بالرئيس.
وأنا متأكد تماما أن فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وحكومة الكفاءات الحالية برئاسة المهندس إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، لن يكونوا بحال من الأحوال عرقلة في طريق تأسيس هذه المحكمة الهامة.
وليس في تأسيسها استهداف لأي كائن من كان، بل فقط من أجل استكمال مؤسساتنا الدستورية الضامنة لتقدم وازدهار البلاد.
بقلم عبد الباقي ولد محمد