إعلان

تابعنا على فيسبوك

عن تقرير اللجنة البرلمانية

ثلاثاء, 28/07/2020 - 15:35

لقد طالعت تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في بعض ملفات ما بات يعرف بالعشرية تعريفا. جاء التقرير في ثلاث و ثلاثين صفحة بما فيها الصفحة الأولى و الثانية الفارغة. كان مختصرا إذ لم يغص في تفاصيل الملفات و لم يشرح منهجية التحقيق التي اتبعها النواب و من استعانوا بهم و لا المعايير التي تم اتباعها في اختيار هذه الملفات دون غيرها و لم يحتوي أرقاما و لم يحدد أي مسؤول عمومي. كل هذه معطيات مهمة كان ينبغي الخوض فيها في هذا التقرير الخلاصة لإظهار موضوعيتها من جهة و للفت الانتباه إلى حجم الضرر و مستوى التلاعب و درجة استهتار من أسندت إليهم ذات مرة مهمة تسيير الشأن العام.

إن اختيار هذه الملفات هو أكثر ما استوقفني في هذه القضية إذ أنه من الواضح غياب معايير موضوعية تم على أساسها حيث غابت عمليات قد تكون أكثر أهمية و استعجالية منها مجتمعة و أبلغ خطورة من أغلبها على غرار تبديل العملة و أخرى لا تقل أهمية عن بعضها كالصناديق الخاصة و صفقات مشبوهة تم تمريرها على حين غرة أو في تمالؤ من الجميع. كان ينبغي على اللجنة تبيان معايير اختيارها درءا للشبهة و تحصينا لها من مساءلة قد تتعرض لها يوما على إثر إهمالها ملفات قد يتضح لاحقا حجم ضررها و خطورتها.

لم يتطرق التقرير كذلك إلى المنهجية المتبعة في التحقيق و لم يشر إلى مراحله التي مر بها ما قد يعطي إشارات سلبية و يجعل البعض يشك في الإحاطة بكل حيثيات هذه الملفات. و من الواضح أن اللجنة بدأت بالاستماع إلى المشمولين في هذه الملفات قبل تحديد نوعية الضرر و اعتمدت على تصاريح المستجوبين و تركتهم يحددون مسار التحقيق ما قد يكون مخاطرة غير محسوبة العواقب و يعرضها بالتالي للمغالطة و التلاعب. كان ينبغي على اللجنة البدء بالتدقيق و تخليله أو استكماله بالاستجوابات لكي تضمن سيطرتها على مسار التحقيق و تفادي تلك المخاطرة. 

إن غياب الأرقام يجعل من التقرير مجرد سرد لوقائع أو تأكيد لأحداث عاشها الجميع بتفاصيلها و تتوفر أجهزة الدولة عليها بتفاصيل قد تكون أكثر دقة و قد يقود إلى التهويل أو إلى التقليل من أهميتها. قد يكون ذلك عائدا إلى غياب مدققين محترفين و عدم الاستعانة بأهل الخبرة في المجال أو إلى ضيق الوقت أو إلى غياب منهجية سليمة كان بإبمكانها أن توصل إلى نتيجة أكثر وضوحا أو إلى كل ذلك في آن واحد. 

تفادى التقرير كذلك تحديد المسؤولين المباشرين عن التجاوزات و نوعيتها و اكتفى بالإشارة إلى بعضهم. قد يكون ذلك متفهما نظرا لأنه مجرد خلاصة لتقارير فرعية قد تكون أكثر تفصيلا. لم يشر كذلك إلى دواعي المسؤولين التي جعلتهم يقدمون على مثل هذا التلاعب و هل كانت دوافعهم منافع مادية تم حصولهم عليها أم خوف على مناصبهم أم مجرد استهتار و إهمال و نقص في الكفاءة و الخبرة. 

التقرير إذا مجرد خلاصة لتقارير قد تكون أكثر دقة و إسهابا و أشمل و أعمق. لذا علينا أن ننتظر صدورها كي نتمكن من الإحاطة بالموضوع.

و في الختام لا أملك إلا أن أستبشر خيرا بهذه السابقة التي قد تشكل منعرجا جديدا في تاريخ تسيير الشأن العام في هذا البلد المسكين إذا ما استكمل المسار و تمت معاقبة الضالعين في هذه التجاوزات. و ستكون النتيجة أكثر إيجابية لو واصلت ذات اللجنة التحقيق في ملفات أخرى و تمت توصية هيئات الرقابة بتعميق التحريات و توسيع دائرة التدقيق لتشمل كل مؤسسات الدولة. على السلطات أن تدرك أن من لم يشملهم هذا التقرير ليسوا برآء بالضرورة لأنه لم يكن شاملا و أن الكل محل الشبهة إلى أن يثبت العكس فهذه البيئة الموبوءة لا يمكن أن يسلم فيها إلا من رحم الله أو لاذ منها فرارا.

مولاي كواد مولاي