إعلان

تابعنا على فيسبوك

الإسلام السياسي والمال العربي يعصفان بالأمة

جمعة, 04/09/2020 - 12:20

تعيش الساحة العربية منذ أكثر من خمس سنوات ما يسمى بالخريف العربي، الذي أسميه أنا بالصيف العربي، لما سبب من دمار للعرب بتدبير من المسيحيين الجدد، الذين حققوا من خلاله العديد من أهدافهم الكبرى، المتمثلة في تحطيم القوى القومية المناوئة للمد الصهيوني في الساحة العربية، وهو ما أوصلها إلى درجة من الانهيار السياسي و الفكري، لم يشهد له التاريخ مثيلا، منذ الهيمنة العثمانية، التي بدأت تعود الآن مستخدمة الطائفية الدينية و مستغلة عجز العرب عن فهم متطلبات المرحلة، التي تستدعي من كل عربي مخلص لأمته ووطنه الوقوف أمام هذه الهجمة الغربية الشرسة، التي يقودها كبار مفكري الصهاينة، الذين قدموا شعار الديمقراطية طعما لها وجعلوا من الشباب العربي وقودا لها.                                                           
 فبدل مواجهة هذه الهجمة بإرادة صادقة وقوية، تتم فيها تعبئة كل الطاقات المادية والبشرية للأمة.. قام "القادة العرب" بتشجيع الاقتتال الطائفي، متنكرين لانتمائهم القومي القادر وحده على أن يجمع أبناء جلدتهم، مفضلين أن يدمروا بعضهم البعض.. حتى  ولو أدى ذلك إلى تحطيم كل شيء.. فلم تعد هناك خطوط حمراء، لذا أصبحت كل قدرات الأمة مستباحة، بما فيها الطاقات البشرية و المادية والمنشآت الاقتصادية و الصناعية، وحتى الصحية منها لم تنجو.                   
فما يتم اليوم من تدمير لسوريا وليبيا واليمن وإذكاء للنعرات الطائفية أن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن من يحكموننا هذه الأيام، لا علاقة لهم بهموم الشعب العربي ولا بمصير هذه الأمة.. لذا نلاحظ أننا  لم نعد نسمع كلمة أو فعلا يتعلق بالقضية العربية الأولى- أي الفلسطينية- التي يجب أن تظل عامل وحدة للجميع والتي تخلى عنها الكل.. حتى أن البعض أصبح يحاربها، من خلال المشاركة في تدمير ما تبقى من قوة ممانعة، محاباة للأمريكيين، الذين هم أصحاب المخطط الهادف ألي القضاء على القدرات العربية في العراق وسوريا وليبيا، لكي تصبح إسرائيل القوة الوحيدة المهيمنة في المنطقة.. ولتتفرغ أمريكا لمواجهة روسيا والصين.                                                              
إنها خطة  بدأت باحتلال العراق و تدمير جيشه و مازالت متواصلة على الساحات العربية الأخرى خصوصا في سوريا وليبيا واليمن التي أوشكت جميعها أن تصبح دولا فاشلة .                                    
إن دعاة الطائفية من الغربيين و العثمانيين المتحالفين مع الكيان الصهيوني، يجب أن تواجه بنهضة قومية  تعيد لهذا الشعب شيئا من كرامته، لذا على القادة الذين لم تصل بعد أياد الإجرام إليهم، أن يفهموا أن الدورة آتية عليهم جميعا، ولن ينجوا منها أي كيان عربي إذا لم تتم مواجهتها بقوة  إنها مؤامرة تسعى إلى القضاء على الدولة الوطنية في منطقتنا العربية، بغية أن لا تجد الأجيال القادمة قدرات قد تستغلها في بناء المجتمع القومي القادر على التصدي لكل ما من شأنه أن يهدد الأمة في حاضرها أو مستقبلها.                                            
 
و مما يؤسف له  أن هذه الحملة التدميرية  تتم بطاقات عربية شابة ضللها الإسلام السياسي، فجرَّها  إلى الانخراط في تنظيمات تكفيرية  تحالفت مع مجموعات أخرى لا عقيدة لها، سوى البحث عن المال الذي وفِّر لها بسخاء من طرف منظمات إسلامية تصف نفسها " بالخيرية"  وبعض الحكومات العربية.                                                  
و مما يؤسف له كذلك أن هذا التدمير الذي طال كافة الأصعدة، يتم برعاية النظام السياسي العربي الرسمي ( الجامعة العربية )، الذي قام بطرد سوريا من الجامعة العربية وصادق على التدخل الغربي في ليبيا و مازال يدعو إلى الطائفية، التي ترمي إلى نقيض ما تأسست من أجله هذه الجامعة .                                                                
إن ما يجمع العرب هو: هويتهم، التي هي قوميتهم وما يتعارض معها ، فهو عنصر تقسيم وتدمير للدولة الوطنية، التي هي الحد الأدنى لبقاء الكيان العربي متماسكا، لذا فإن  الطائفية لا يمكن أن تؤدي إلا إلى   التفرقة و التشرذم و الصراعات البينية .                                  
إن هذه الوضعية المزرية تعود في الأساس إلى الانحطاط الفكري والأخلاقي الذي يعيشه العالم منذ سيطرة رأس المال العالمي،           
فالأهداف النبيلة و الأخلاق الحميدة لم تعد هي ما يقود سياسات العالم الذي أصبحت تتحكم فيه المادة.                                             
 وبما أن معظم قادتنا في الوطن العربي يعتمدون على الغرب للبقاء في السلطة هذا الغرب الذي يحارب وحدتنا بكل أدواته، فإنهم- رغم ذلك- لن يمانعوا في أن يتم تسخيرهم لتدمير أمتهم، مقابل دعمهم للبقاء في السلطة.. وهنا يحق للمواطن العربي أن يتساءل عن أي سلطة هذه التي ثمنها خيانة شعب وأمة بكاملها، و أي حاكم هذا الذي يعمل ضد شعبه؟
إنها وضعية كارثية لأمة فقدت البوصلة، نتيجة فقدانها لقيادتنا التاريخية سنة 1969 وقد سبق لي أن أدليت بهذه الملاحظة سنة 1982 خلال مهرجان تضامني مع الشعب الفلسطيني إبان اجتياح الكيان الصهيوني للبنان  و هو الاجتياح الذي تم دون أن يحرك الحكام العرب ساكنا.                                                                        
إن هذه الوضعية، ستبقى ما لم تفرز الأمة رجالا يقودونها بقوة الإيمان و الاستعداد للتضحية، نحو تحقيق أهدافها الكبرى، المتمثلة في التحرر و العدالة الاجتماعية بين أعضائها، وصولا إلى وحدتها التي هي ضمان بقائها.. فبدون هذه النظرة، ستبقى أمتنا تتأرجح بين ما هو سيء و ما هو أسوأ .                                                                     
إن سيطرة الشعب العربي على ثرواته الطبيعية التي هي ملك جماعي يتطلب تحقيق شرطين، هما: امتلاك العرب لإرادتهم الحرة ولقرارهم السياسي .. ليصبح في خدمة المجموعة القومية، الشيء الذي سيفتح المجال أمام توزيع عادل للثروة العربية، خدمة للاستقرار الاجتماعي و السياسي وهو ما سيمكن من تسخير القدرات العربية لصالح الإنسان العربي، الذي يعاني من ويلات الفقر وما يترتب على ذلك من مآس قد تؤدي بالإنسان إلى فقدان توازنه و هو ما يعكسه واقع الشباب العربي الآن , الشيء الذي جعل الكثير منهم أداة سائغة  في أيدي أعداء الأمة من غربيين ظالمين و ظلاميين  لا يدركون معنى الدولة و لا الأخلاق و أبعد من ذلك كله القيم الحميدة لديننا الإسلامي الحنيف الذي يدعوننا دائما إلى الرحمة بالآخر و إلى التآخي  و التضامن وينهانا عن الظلم والعدوان .                                                                     
إننا في حاجة ماسة هذه الأيام إلى أن يدرك كل واحد منا مهما كان مركزه أن أمتنا قد فقدت طريق الصواب، نتيجة للتصرفات غير الواقعية لشبابنا و الناتجة في معظم الحالات عن التوجه الخاطئ لبعض مثقفينا الذين عليهم أن يحكموا العقل- إن كانت بقيت لهم عقول لكي يعودوا إلى رشدهم .                                                                      
إن من يعتبرون ما جرى خلال السنوات الماضية- والذي مازالت ناره ملتهبة ثورات، ليست لهم دراية بمعنى الثورات، التي لابد أن تكون لها أهدافا ومفكرين، يرسمون لها الطريق، للوصول إلى تلك الأهداف وإلا تحولت إلى  حركة همجية وانفعالا، لا يمكن أن تكون له فائدة بل قد تكون نتائجه مأساوية وهو ما جعل العرب مفعولا بهم،يدمرون أنفسهم بأيديهم، فلا ثورة مع غياب المرجعية الفكرية المستنيرة بفلاسفتها و مفكريها، الذين يوجهونها فلم تحصل ثورة في العالم دون أن يكون لها رجال عظماء و فلاسفة ينيرون الطريق أمامها فالحراك العربي لم يجد من المفكرين والفلاسفة، سوى برنار ليفي ورفاقه من مسيحيين جدد، كانت ومازالت خططهم مسخرة لتدمير القدرات العربية بأياد ومال عربيين وذلك بواسطة مأجورين اتخذوا من الإسلام مطية لهم والذين وصل الأمر بهم إلى إبدال أعلام الوحدة والاستقلال بأعلام الانتداب الاستعماري وسماحة السيد حسن نصر الله بإسرائيل.                    
فيا لها من مؤامرة احتلت العقول أولا ثم الأرض وجعلت من عدوها وسيلتها لتحقيق أهدافها!                                                   
إن الإنسان العربي الآن هو في أمس الحاجة إلى معرفة أين الطريق الصحيح، التي تمكن من خلق روح قومية واعية مدركة لمتطلبات المرحلة وفي مقدمة هذه المتطلبات التمييز بين العدو والصديق و معاملة كل جهة على ذلك الأساس، وتكريس التضامن العربي في كافة المجالات وفي مقدمتها المجال الاقتصادي و الأمني، الشيء الذي من شأنه أن يخلق نهضة اقتصادية، توفر العمل للشباب العاطل وتساعد الأقطار الأقل دخلا و تلك التي تحطمت اقتصادياتها من النهوض من جديد وأملنا أن يفهم من أوصلوا أمتنا إلى ما هي فيه اليوم من انهيار ذلك  لذا على الذين  يطمحون إلى أن يلعبوا دورا سياسيا في أي من أقطارنا، أن يفهموا أن عظمة الرجال التي بواسطتها تعظم الشعوب لا ينالها إلا  أولئك الذين يحسون بمشاعر شعوبهم ويقودونها إلى أهداف كبرى، تكون معبرة عن طموحات تلك الشعوب و إذا ما نظرنا إلى التاريخ المعاصر نجد أن الشعب العربي لم تستنهض هممه إلا خلال فترتين :                                                                      
 الأولى الانتفاضة ضد السلطة العثمانية، والثانية الانتفاضة ضد الاستعمار الغربي في الخمسينات و الستينات التي قادتها ثورة 23 يوليو بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله إنها فترة اصطفت فيها الجماهير وراء هذه الثورة وقائدها الذي رسم خطا ثوريا تحرريا لمسيرة ثورته، التي سعت إلى تحرير الإنسان العربي من هيمنة الاستعمار و مد يد العون و المساعدة للشعوب المظلومة خاصة الإفريقية والإسلامية منها وكان يقود الجماهير من القاهرة بواسطة صوت العرب وجريدة الأهرام الذين كانا يلعبان دور الحزب ألطلائعي، حيث كانت استجابة الجماهير له مطلقة، لأنها وجدت فيه ضالتها فما أحوجنا اليوم إلى ناصر جديد ينسينا ما نحن فيه من ويلات .
إن للإنسان عواطف و أحاسيس لا بد أن تؤخذ بعين الإعتبار وهذا ما لم يؤخذ به من طرف من يحكمون العالم اليوم.. حيث أصبحت السيطرة للمادة والمادة وحدها، مما تسبب في تحكم الصهيونية العالمية في القرار الدولي .
إن هذه الوضعية التي كان لحرب أكتوبر 1973 دورا أساسيا في خلقها نتيجة التأثير السياسي والنفسي لهذه الحرب على العرب، عند ما خرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، في الوقت الذي يفترض أن تكون نتيجتها تحرير فلسطين، لأن الإعداد لها كان لذلك الهدف إلا أن السادات جعل منها حرب تحريك بدل حرب تحرير، بالرغم من النتائج الكبيرة التي تحققت من خلال حرب الاستنزاف التي سبقتهاو التي كانت تحضيرا لها.
إن اليأس الجماهيري وغياب قيادة توجه و تؤطر العمل القومي أدى إلى تراجع المد القومي، ابتداء من النصف الثاني من الثمانينات، حيث بدأت الساحة تخلو لأعداء الأمة الذين هم من الطبيعي أن لا يتركوا فرصة تمر دون استغلالها.. فكان نمو الحركات الشعوبية التي وفرت لها تمويلات هائلة، لتحقق أهدافها، المتمثلة في تدمير الأمة، حيث كان أول ما قامت به هذه القوى هو: إغراء الشباب العربي بالمال، وتخديره بالأفكار المضللة، بغية تسخيره لعملية التدمير هذه ، خاصة وأن الكثير من هذا الشباب تربى في مدارس سياسية تابعة لحركات شعوبية موجهة أصلا من الخارج ضد كل ما هو قومي عربي ولها خطاب ديني لا يعبر عن الإسلام الحقيقي، لكنه كبير التأثير على متلقيه الذين هم في معظم الحالات قليلو الإلمام بالإسلام الحقيقي أو هم ممن تربوا على ثقافة هذه الحركات التي يتصدرها  التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.. وهو التنظيم الذي يؤطره و يوجهه أردوغان من تركيا هذه الأيام،  حيث مقر قيادته والمدعوم ماليا من أصحاب الثروات الكبيرة في الوطن العربي، الذين يتقاسمون معه البحث عن السيطرة على العقول و شراء الذمم.. فنتج عن ذلك تكوين عدد لا حد له من المنظمات التي تدعي أنها تأخذ من الإسلام منطلقا فكريا لها.. ومع ذلك نرى أن عملها عمل إرهابي يستهدف في الأساس تشويه الإسلام وهدر الطاقات العربية، سواء أكانت بشرية كالزج بالشباب في العمل الإرهابي أو تدمير القدرات الإقتصادية و المنشآت.. ولنا في القاعدة وداعش  التي يرأسها البغدادي العضو السابق في تنظيم الإخوان المسلمين أحسن مثال.. هذا البغدادي هو الذي أخرجه الأمريكيون من السجن في بغداد ولعل ذلك ما يجعلنا نتساءل عن الأسباب الحقيقية وراء إخراجه وفي هذا الإطار ليس لنا إلا أن نصدق ما قاله الرئيس الأمريكي الحالي دونالد أترام من أن الأمريكيين، هم من خلق داعش  وهذا يوضح جليا المهمة الموكلة في الأصل لهذه المنظمة الإرهابية والتي هي تدمير العرب بدءا بالأقطار التي كانت لها جيوشا يمكن أن تواجه إسرائيل، رغم أن هذه المنظمات التي تسمي نفسها ب"الجهادية" ، كلها وليدة القاعدة التي هي وليدة تنظيم الإخوان المسلمين والتي أصبحت الآن بالمئات  والتي لا يهم أصحابها سوى الحصول على المال.. فما دام الممولون يدفعون بسخاء لكسب معارك لا يمكن كسبها حيث أصبح الكل يقاتل الكل.. وعليه فلا حل قبل تجفيف منابع التمويلات والقيام بمراجعة فكرية لمن كانوا وراء تكوين هذه المجموعات او يقومون بالدعوة لها الذين عليهم وقف ما يقومون به من تدمير وإظهار لمنتسبيها ان ما يقومون يه مخالف للشريعة الإسلامية وأن مصير صاحبه النار - و العياذ بالله فكنا الله و إياكم منها - ،على أن يكون ذلك من خلال شخصياتها المرجعية المعروفة من داخل التنظيم و خارجه ووقف التمويلات التي تقدم لها، مهما كان الطرف الذي يقدمها وذلك من أجل وقف هذا الدمار الذي يوشك أن يقضي على الأخضر واليابس في وطننا العربي الذي أصبح أمنه القومي مهددا نتيجة الحروب والانقسامات مما جعل الوحدة الترابية للأمة في خطر.. وهو ما يستدعي من جميع العرب تجاوز تناقضاتهم للحفاظ على سلامة الأرض العربية والابتعاد عن استباحة الدم العربي، لأن الاستمرار في هذا النوع من الإقتتال قد يؤدي - لا قدر الله - إلى القضاء على العديد من الأقطار العربية كدول موحدة في وقت لم تعد فيه الأطماع الأجنبية مخفية .                                       
إن الإنسان العربي اليوم يتعرض لما يشبه خطة إبادة تتم بشكل ممنهج و بأياد عربية قد يندم أصحابها حين لا ينفع الندم .                      
إن تدمير كل ما تم من إنجازات على الصعيد الوطني في الأقطار التي استباحتها قوى الشر هذه لا يقل خطورة عن ملايين القتلى و المشردين و الأمر هنا لا يقتصر على سوريا التي تمكنت قبل شن الحرب عليها من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي بالإضافة إلى تحقيق منجزات كبرى في محالات أخرى كالصحة و تعريب النظام التربوي، بما في ذلك المناهج العلمية بشكل ناجح جدا ولعلنا نجد في خريجي الجامعات السورية من الموريتانيين مثالا حيا على هذا النجاح ( الأطباء)         
أما ما حصل في ليبيا و العراق واليمن ... يؤرقنا أكثر والذي تم بأياد عربية، الشيء الذي جعل كل إنسان تجري دماء العروبة في عروقه يخجل من نفسه ومع ذلك لا بد من الدعوة إلى ما يوحدنا جميعا وهو هويتنا العربية، التي لابد من التمسك بها والتي لا خلاف من وجهة نظري على أنها عنصر وحدة لنا جميعا و ما سواها قد لا يزيدنا إلا فرقة .                                                                         
 فالطائفية الدينية و الارتماء في أحضان الغير من أعداء قدماء وجدد (عثمانيون) والذين يمثلون هذه الأيام خطرا حقيقيا على الأمة شعبا وأرضا- ومن لا يدرك ذلك فإنه لا يفهم ما يجري من حوله مع أن خطة هؤلاء الأعداء واضحة ويجري تنفيذها يوميا على الساحات العراقية والسورية و الليبية حيث احتلال الأرض و دعم المليشيات الإسلامية و هي الخطة المبنية على استخدام المال و الشباب العربيين باسم الدين لتحقيق أهدافهم المتمثلة في السيطرة على وطننا العربي مستفيدين من غباء البعض و تواطؤ البعض الآخر من أصحاب النظريات الشعوبية التي يقف وراءها أعداء الأمة كالوحدة الإسلامية التي هي خيال اريد به مناهضة الوحدة العربية التي تتوفر لها كل سبل النجاح واستخدمت هذه الوحدة الإسلامية في تمزيق الأمة وخاصة تضليل الشباب الذي تحول معظمهم خاصة من أصحاب هذه النظرية إلى إرهابيين يتقاتلون حتى فيما بينهم ويدمرون كل شيء، مجسدين بذلك فشل هذه النظرية التي اعترف كبار منظريها بفشلها و أكدوا أنه لا بد من الانسحاب من تنظيم كهذا وهو موقف شجاع يقدر لهم ويشكرون عليه وأولهم هو: شيخنا السيد راشد الغنوشي الذي اعترف بفشل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، نتيجة نظرتهم التي لا تضع حسابا للانتماء الوطني ولا القومي باعترافه هو، هذا الاعتراف الذي جاء في الرسالة التي وجهها للاجتماع الخاص بالتنظيم العالمي للإخوان الذي عقد باسطنبول في شهر مارس 2016 والتي نشرتها جريدة الحياة الجديدة التي تصدر في رام الله في عددها الصادر بتاريخ 15/05/2016 وهي الرسالة التي يقول فيها : أنا الآن أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الأعلى والأهم ، لا أريد لتونس أن تكون ليبيا المجاورة ولا العراق أنا أعلن لكم أن طريقكم خاطئ وجلب الويلات إلى كل المنطقة ، لقد تعاميتم عن الواقع وبنيتم على الأحلام والأوهام وأسقطتم من حساباتكم الشعوب وقدراتها ، لقد حذرتم  من مصر وسوريا واليمن ولكن لا حياة لمن تنادي .
أنا الآن جندي للدفاع عن أرض تونس ولن أسمح للارهاب مهما كان عنوانه أن يستهدف وطني لأن سقوط الوطن يعني سقوطي ، عليكم أن تعوا ولو مرة واحدة خطورة ما يحصل و من هو المستفيد لقد صورتم لنا أن مصر ستنهار وأنكم ستستعيدون الحكم فيها خلال أسابيع أو أشهر ولكن للأسف فقد أثبتم أنكم قليلو الحيلة وتتعاملون مع منظمات إرهابية تدمر أوطانكم ، يجب أن لا تكون الكراسي هي الهدف فالوطن هو الأهم .                                                                     
و أضاف راشد الغنوشي في رسالته : أستحلفكم بالله و للمرة الأخيرة أن تقرءوا الواقع جيدا و أن تنظروا إلى واقع كل واحد منكم كيف أصبحتم فالجماعة جماعتين أو أكثر و أصبحتم في عزلة شعبية بعد أن كنتم تراهنون على الحضانات الشعبية ، لا يمكن أن تبنوا حاضنة شعبية دون هوية وطنية إلى أين أنتم ذاهبون ؟ اتقوا الله في أوطانكم وشعوبكم.                                                                     
 وأضاف شيخنا في الختام : أبلغكم بوضوح أننا في تونس سنعلق حضورنا في مثل هذه الاجتماعات التي أصبحت روتينية و تضر أكثر مما تفيد وأطالب العقلاء منكم و الواقعيين البحث عن آليات وبرامج جديدة توحد ولا تفرق .                                                                              
إن هذه الشهادة لواحد من أكبر مفكري الإسلام السياسي بل منظريه وهي شخصية كنت أكن لها الاحترام ومازلت وسبق لي أن طلبت منها خلال زيارتها لأنوا كشوط سنة 2012 خلال ندوة نظمها المركز العربي الإفريقي للإعلام يوم 21/12/2012 أن تلعب دورا إيجابيا في إيقاف تدمير أوطاننا العربية على أيدي من يسمون أنفسهم بثوار الربيع العربي والذي أسميه "أنا الصيف العربي" لما تسبب فيه من مآسي للشعب العربي المفعول به.                                                                          
و إذا كان من تعليق على الموقف الجديد لهذا الرجل فهو:                     
 إما أنه قام بمراجعة  فكرية وإستراتجية  وهذا ما أتمناه وبالتالي سيساهم في فتح مرحلة جديدة من الانسجام الفكري داخل الساحة العربية و سيساهم في نشر الوعي الوطني والقومي.                                         
 وإما أن يكون هذا الموقف  مناورة للملاءمة  السياسية وأظن أن ذلك لا يمكن أن يكون وراء هذه الرسالة لاستقلالية الرجل و لماضيه القومي قبل أن يتحول إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.. وإذا كان الأمر مجرد مناورة فستكون جد خطيرة عليه وعلى الإخوان، لما ستحدثه من بلبلة في صفوف التنظيم، لأن هذه شهادة واحد من أهلها- كما يقال- و بالتالي ستساهم في إظهار الحقيقة أمام المواطن العربي الذي يتم التلاعب به وخاصة من طرف من يعرّفون أنفسهم بالإسلاميين الذين مازال الكثير منهم لا يعطي أي اهتمام لانتمائه القومي وغير مدرك أن ما يجري على الساحة العربية اليوم من صراع، هدفه: السيطرة على العرب والغريب أن هؤلاء الإسلامين وخاصة منهم التنظيم العالمي- يجهلون أو يتجاهلون أن  مؤسس تنظيمهم السيد حسن البنا كان عروبيا  وكان صوفيا وهذا هو السبب في تجذر تنظيمهم في مصر.. لكن الانحرافات تمت في فترة ما بعد حسن البنا، حيث بدأت بمؤامرة محاولة اغتيال الزعيم العربي جمال عبد الناصر، بعد ما بدأت الثورة تمس المصالح الغربية في مصر (تأميم قناة السويس وبناء السد العالي).                                                            
 إن لكل واحد من الاقطاب المتصارعة للهيمنة على منطقتنا أهدافه و شعاراته الخاصة به’ فإسرائيل باسم الحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة بوصفها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط يتوسع نفوذها كل يوم من خلال التطبيع مع الأنظمة العربية وتدمير الجيوش  العربية الواحد يلو الآخر بأياد ومال عربيين .                                      
أما العثمانيون فقد اتخذوا الدين الإسلامي شعارا لهم بعد ما تمكنوا من السيطرة على أكبر تنظيم سياسي إسلامي في المنطقة والعالم وهو تنظيم الإخوان المسلمين الذي لا يؤمن أصلا بالدولة الوطنية  وهدفهم بسيط وواضح وهو عودة السلطة  العثمانية إلى المنطقة ولو بشكل غير واضح للعموم  لأهداف قومية تركية.                                                           
 أما إيران فقد قدم لها  العرب هدية لابد وأن تستغلها وهي القضاء على النظام القومي في العراق الذي كان هو القوة العربية الوحيدة القادرة على الوقوف في وجهها وكانت قد أعلنت منذ بداية ثورتها مواقف ايجابية من القضية العربية، بدءا بإغلاق سفارة العدو الإسرائيلي ومد يد العون للفلسطينيين و باقي قوى الممانعة، مما جعل المواطن العربي يرى فيها حليفا في مواجهة إسرائيل فاستفادت من هذه الوضعية ومن الطبيعي أن يكون المستفيدون الأوائل من هذه الوضعية  هم من يتقاسمون مع اصحابها نفس المواقف السياسية والمذهب الديني وأن تستغل هي هذا كله لتوسيع نفوذها وهي صاحبة حضارة قديمة وكبيرة.. فكان على العرب فهم هذه الوضعية والعمل على أساسها بدل أن يحطموا أنفسهم  بأنفسهم في انتظار الانهيار التام و كأنهم يريدون لمنطقتهم أن يحصل لها ما حصل للأندلس لكن هذه المرة بأياد عربية .                                    
إن الوضعية تتطلب موقفا عربيا واعيا وقويا يبدأ بوقف الاقتتال وتمويل الارهابيين ويكون أساسه التضامن العربي الهادف إلى تعزيز الأمن القومي وجعل  تحرير فلسطين أولوية مع وضع خطة شاملة لذلك يتم الزج بتركيا وإيران فيها، ليكون ذلك امتحانا لجدية مواقفهما من القضية الفلسطينية إن كانتا صادقتين أو كشفهما للرأي العام العربي.. وبالتالي يتم تحصين أصحاب النوايا الحسنة من أبناء جلدتنا و يصبحوا بذلك في خندق واحد، سواء تعلق الأمر بمن في معسكر قوى الممانعة أو في غيرها .                                                                                           
إن النفوذ التركي والإيراني عائد إلى ضعف الموقف العربي نتيجة غياب نظرة إستراتيجية، تكون نبراسا لعمل عربي مشترك.. فالأنظمة يعمل كل واحد منها على شاكلته لا يهمه سوى الحفاظ على نظامه بأية طريقة كانت.                                                                                            
أما  الشعوب فهي مصابة باليأس ومشغولة بمشاكل الحياة اليومية و اذا كانت الأنظمة غير قادرة على القيام    بخطوة فعّّالة ، تتمثل في دمج هاتين الدولتين في اهداف كبرى قد يكون تحرير فلسطين جزأ منها لذا فإنه بإمكانها أن تواجه دعايتهما وخاصة ايران بدعاية معاكسة أساسها مقارعة الحجة بالحجة بدل الزج بالشباب العربي في حروب القاتل والمقتول فيها كلهم عرب بغض النظر عن شرعية أو عدم شرعية تلك الحروب التي من الطبيعي أن يستغلها كل عدو وكل انتهازي يريد الإيقاع بالعرب الذين لم يعد باستطاعتهم تسيير خلافاتهم بالشكل المقبول، علما بأن الحروب المشتعلة الآن على الساحة العربية ليست لها أسس منطقية ولا دينية رغم أننا نجد في بعض التنظيمات الإسلامية غير الإخوانية ما يمكن أن يعتبر نضاله إسلاميا غير طائفي مثل حزب الله ذو التوجه الشيعي الذي يقاوم من أجل تحرير فلسطين و في هذه الايام بالذات للبقاء وليس لانه جزء من مشروع إيراني  والجهاد الإسلامي ذو التوجه السني الذي يقاوم هو الاخر  الاحتلال الاسرئيلي غير مبال بالانتماءات العقائدية.                                             
لقد كانت لإيران علاقات قوية مع حافظ الأسد دون أن يكون ذلك على حساب الخط القومي لسوريا، ذلك أن حافظ الأسد عرف كيف يتكيف مع الوضع السياسي في المنطقة، مما مكنه من البقاء على علاقات متميزة مع كل من السعودية التي تفهمت موقفه وإيران التي استفاد منها في مواجهة إسرائيل، دون أن يمس ذلك من مركزه العربي .لكن تحطيم قوى الممانعة الذي بدأ بالعراق و الذي كان هو الهدف الحقيقي للغرب من غزو هذا البلد- والذي ساعد فيه بشكل كبير النظام السياسي العربي-  كان لابد وأن يؤدي إلى ما هو حاصل الآن في سوريا وغيرها من الساحات العربية.. وإلا فلماذا الاقتتال في ليبيا وفي اليمن أليسوا كلهم سنيون؟                                                                 
 إن هذه الحروب المخطط لها من طرف العالم الغربي هدفها تحطيم الاقتصاد العربي وكذلك الجيوش العربية ذات الكفاءات القتالية بأياد ومال عربيين .                                                               
لقد كان على العرب دعم سوريا بدل خنقها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا حيث لم يبق أمامها سوى مد أيديها لكل من يريد مساعدتها فجاءت إيران وملأت الفراغ وزادت .                                               
إن ما حصل لسوريا كان سيحصل لمصر لولا الموقف القومي والحاسم للملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله الذي أعلن فيه دعمه لمصر ولجيشها بالرغم من الموقف الغربي الهادف إلى محاصرتها لأن الجيش المصري مستهدف ويجب ضربه هو أيضا مثل ما حصل للجيوش العربية الأخرى في سوريا والعراق وليبيا واليمن، إن الكل مستهدف والدورة ستأتي على الجميع ما لم يقم العرب بمراجعة سياساتهم قبل فوات الأوان، بدءا بمصالحة مع الذات تكون شاملة يتم فيها تجاوز النظرة الطائفية للأمور أيا كان نوعها.. وهي النظرة التي أدت ببعض شيوخنا إلى إصدار فتاوى أباحوا فيها أرواح أبناء جلدتهم بدون حق مثل فتوى القرضاوي التي أباحت للغرب روح الشهيد معمر ألقذافي الذي كان في مقدمة الواقفين أمام الأطماع الأجنبية في وطننا العربي وفي القارة الإفريقية وكم كنا نتمنى أن تكون هذه الفتاوى ضد أعداء الأمة الحقيقيين من الصهائنة المحتلين للقدس: ثاني القبلتين .         
أمام هذه الوضعية يبقى المرء حائرا سائلا نفسه هل بقيت للشعب العربي آمال في المستقبل بعد كل ما حصل من انهيار ؟                   
فنقول : إن الأمم تكبر برجالها وأمتنا أمة عظيمة حملها الله رسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء وهذه الرسالة جاءت بلسان عربي مبين قي كتاب محفوظ  وهو القرءان الكريم الذي لا خوف عليه  ولا على أمة حملته إلى البشرية وهذا يجب أن يمثل لنا كعرب  قناعة راسخة أننا أصحاب رسالة خالدة بها نخلد وننتصر وتاريخ أمتنا يظهر ذلك بكل جلاء وهو التاريخ الذي علينا ان نصنعه دائما بأيدينا.                    
إننا وإن كنا نعيش هذه الأيام فترة انحطاط، فإنها  ليست هي الأولى في تاريخنا المعاصر.. ولعلنا نتذكر ما حصل لهذه الأمة خلال حملة التتار وخلال الاحتلال العثماني، ثم الاحتلال الغربي وما حصل بعد ذلك كله من ثورات أزالت بصمات العار وأعادت للأمة عزتها وكرامتها.             
فهذه الأمة هي التي أنجبت محمدا صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعلي وعثمان وعمر و من بعدهم خالد بن الوليد وجمال عبد الناصر ، لقادرة اليوم على أن تنتج قادة جددا،  يحملون همها بإرادة الرجال لا تهمهم مغريات الحياة ولا الحياة نفسها وإنما إخراج أمتهم من محنتها متجاوزين من اجل ذلك كل الاعتبارات الطائفية والقطرية.. متحالفين مع شعبهم وحده لا ينظرون إلى الآخر إلا بقدر ما يحققون أهداف أمتهم في التحرر و الوحدة وهي الأمة التي لها من القدرات البشرية والاقتصادية والموقع الجغرافي ما يؤهلها لأن تكون في مقدمة الأمم خاصة أن النظريات الضيقة لم يعد باستطاعتها بعد اليوم الصمود أمام تيار العولمة الذي قضى على كل المفاهيم الضيقة،  بحيث أصبحت حدود الدول  مستباحة باسم حقوق الإنسان والأمن والعيش الكريم.. هذا الوضعية ستفرض على العرب ان يعيشوا كتلة واحدة ولو تأخر ذلك الى حين.                                                                       
الكوري ولد احميتي