لم يكن القرار الأممي بالتدخل في ليبيا العام 2011 اعتباطيا، ولم تكن حماية المواطن الليبي من "القوة المفرطة للقذافي" هي الحقيقة التي تحاول القوى الغربية تسويقها عبر وسائل الإعلام الكثيرة التي كانت في خدمتها تلك الفترة. المسألة أبعد من ذلك بكثير. الحرب الحقيقية بدأت قبل أكثر من 30 عاما من إسقاط نظام العقيد، واشترك فيها كل خصومه بمن فيهم العرب. والشعار الأساسي كان "لا نريد نظاما مزعجا لنا في المنطقة"، كانوا يفكرون بمنطق التعالي المعتاد والمسترجع لهوى استعماري بقي راسخا في ذهن بعض الدول. كانت هذه النقاط جزءا من مقدمة الكتاب الذي ألفه الكاتب الكندي باتريك مبيكو، بعنوان "42 عاما من الحرب الخفية ضد الجماهيرية العربية الليبية" الذي عاد فيه إلى كواليس وحقائق "الثورة" إلى لحظة سقوط النظام، والتي قال إنها أكدت له نوايا تلك القوى بزعزعة الاستقرار في ذلك البلد الغني.
في هذا الموضوع نتناول بعض الفقرات من الكتاب التي تعود إلى وقائع قديمة في علاقة القذافي بالدول الغربية إلى الأيام الأولى للأحداث في ليبيا، والسرعة الغربية في التدخّل، من خلال بعض الاستنتاجات التي خلص من خلالها إلى أن ما وقع في ليبيا يتجاوز مفاهيم الثورة والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى حقائق أخرى لعل أهمها الطمع في ثروات البلاد.
يستحضر مبيكو في بداية الكتاب العجل الذي بدت عليه بعض الدول التي ساهمت في إسقاط القذافي وأساسا فرنسا، حيث عاد إلى التحشيد الإعلامي لتهويل الوقائع على الأرض من خلال تصوير ما وقع في بنغازي على أنه جزء من "الربيع العربي" المشتعل في المنطقة. وأضاف أن تحركات دبلوماسية بدأت بالحديث عن تدخل عاجل بزعم حماية المدنيين خاصة تغيّر في ساحات التحركات نحو العاصمة طرابلس والتي ستكون أعنف وأقوى والتي قد تبيّن جزءا من الحقيقة حيث وقعت فيها ثلاثة انفجارات لا أحد يعرف مبررها أو الطرف الذي كان وراءها.
ويضيف الكاتب أن قطع وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه زيارته إلى برلين وتغيير مساره نحو نيويورك داعيا إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن من أجل بحث اقتراح بلاده بالتدخل العسكري في بنغازي وإيقاف تقدّم الحكومية التي كانت وقتها تسعى لاستعادة السيطرة على الوضع. وقد نجحت فرنسا عبر ممثلها في مجلس الأمن آنذاك جيرارد آرود في طرح مبادرة الحل العسكري والهدف الذي تسوقه وقتها بحماية المدنيين.
ويشير الكتاب أنه مع تطور الأحداث بدأت تخرج بعض الحقائق، منها التركيز على ليبيا دون غيرها من الدول التي عرفت تحولات سياسية، متسائلات لماذا لم يطرح التدخل العسكري في دول مجاورة وغيرها رغم أن الأحداث متشابهة، ليخلص من خلال شهادات إعلامية أن التدخل لم يكن سوى ذريعة لوضع اليد على مقدّرات البلاد من نفط وغاز مستشهدا بتقرير استقصائي اعتبره صادما، لقناة "كانال بلوس" حول الطمع الفرنسي في الثروات الليبية، حيث نشر تصريحا للصحفي "باتريك شارل ميسونس" قال فيه إن ما وقع في ليبيا "تم إعداده قبل مدة طويلة، والربيع العربي بمدة طويلة، والربيع العربي لم يكن إلا الحل الخيالي الذي كان يحلم به الفرنسيون".
كما عاد الكاتب إلى عمل وثائقي تم بثه على إحدى القنوات الأمريكية، معتبرا ما وقع في ليبيا العام 2011، "خلاصة 30 عاما من الحرب الخفية لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA)" ضد العقيد معمّر القذافي، من خلال سنوات من العمل لأعوانها الذين كانوا متواجدين على كامل المنطقة الجنوبية داخل إفريقيا وقد تناول مبيكو شهادة لعضو الكونغرس "دينيس كوسينيش" قال فيها إن "كل شيء كان معدا له قبل أشهر طويلة" من الربيع العربي. وقد أكد الوثائقي الأمريكي الإشارات بالهجوم على ليبيا من خلال خطاب للعقيد معمّر القذافي نفسه العام 1993، حين قال إنه من الوارد جدا أن يشن حلف الناتو حربا على ليبيا يوما.
لقد استطاع باتريك مبيكو في كتاب "الهدف القذافي ..." تجميع كمّ من المعلومات التي تسهّل على المتابع معرفة حقائق خفية في علاقة العقيد معمّر القذافي بالقوى الغربية، كما معرفة حقيقة ما وقع في ليبيا العام 2011، من لحظات الأحداث الأولى إلى لحظة إسقاط النظام والتي تبيّن أن أطماعا غربية قديمة هي التي عجّلت بالتدخل ووفرت لها موجة "الربيع العربي" فرصة تاريخية لتنفيذ مخططاتها.