بعد إعلان التلفزيون الرسمي السوري نبأ وفاة وزير الخارجية والمغتربين السوري وليد المعلم، نعت كل من سوريا ودول عربية وروسيا وإيران وفنزويلا المعلم، من هو الدبلوماسي المخضرم وليد المعلم؟
وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم
رجل المهام الصعبة. "معلم" الدبلوماسية السورية. تصدى لكل الإغراءات التي عرضت عليه من دول وجهات خارجية للتخلي عن بلاده في أحلك أيامها وأصعب ظروفها منذ العام 2011. استطاع بخبرة العقود الثمانية أن يدير دفة سوريا الدبلوماسية، ووقف سدّاً منيعاً في وجه محاولات عزلها إقليمياً ودولياً.
إنه وليد المعلم، وزير الخارجية السوري الذي أعلن التلفزيون الرسمي وفاته صباح اليوم الإثنين عن عمر ناهز 79 عاماً، بعد مسيرة دبلوماسية حافلة.
المعلّم.. الدمشقي الأصيل
هو وليد بن محيي الدين المعلم الدليمي. ولد في دمشق في العام 1941، وهو من أصل عربي قبلي. يعود نسبه إلى زبيد، وهو من عائلات دمشق التي سكنت حي المزة.
تلقّى تعليمه في المدارس الرسمية منذ العام 1948 ولغاية العام 1960، ثم التحق بجامعة القاهرة، وتخرج منها في العام 1963، حاملاً شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية.
المناصب والمهام الصعبة
التحق المعلم بعد تخرجه من جامعة القاهرة بأقل من عام بوزارة الخارجية السورية، وعمل في البعثات الدبلوماسية في كل من تنزانيا والسعودية وإسبانيا وبريطانيا.
في العام 1975، عُيّن سفيراً لسوريا لدى جمهورية رومانيا حتى العام 1980، ثم عُين مديراً لإدارة التوثيق والترجمة حتى العام 1984، فمديراً لإدارة المكاتب الخاصة.
في العام 1990، عُين سفيراً في واشنطن حتى العام 1999. وفي مطلع العام 2000، عيّن مُعاوناً لوزير الخارجية فاروق الشرع، وبعدها بخمسة أعوام، سمّي نائباً لوزير الخارجية، وكلّف بإدارة ملف العلاقات السورية-اللبنانية في مرحلة كانت بالغة الصعوبة، ثم عيّن وزيراً للخارجية في 11 شباط/فبراير 2006.
عميد الدبلوماسية السورية
كان المعلم خبيراً في فك شيفرات الأزمات، ودبلوماسياً شرساً في الدفاع عن مصالح بلاده، وإن أظهرت ملامحه الدمشقية الهادئة عكس ذلك. شهدت الدبلوماسية السورية في عهده تحولات كثيرة. تعامل المعلم مع ملفات عدة بحنكة دبلوماسية فريدة، أهمها إدارته لملف المحادثات السورية مع الاحتلال الإسرائيلي، ونزع فتيل الخلاف الذي شاب العلاقات السورية اللبنانية في العام 2005.
بداية الأزمة السورية في العام 2011 كانت مفصلاً في الدبلوماسية السورية. أدى المعلم فيها دوراً أساسياً ومهماً، وقاد حملة كبيرة لإقناع العالم بصلابة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، كما سعى خلال الأزمة إلى دفع العلاقات الدولية السورية قدماً، وتصدى لمحاولات عزل دمشق وتغييبها عن الساحة الدولية.
وقف المعلم سداً منيعاً في وجه حملات الولايات المتحدة وحلفائها ضد بلاده، واستنكر التدخّل السافر لعدد من الدول الإقليمية والدولية في الشؤون السورية. ولا يمكن لأحد أن ينسى موقفه الشهير في مقر الأمم المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2012، حين وقف أمام ممثلي العالم متّهماً واشنطن بدعم الإرهاب.
كثيرة هي المهام الصعبة والملفات المعقدة التي كُلف بها المعلم، كما أنها متشعبة إلى درجة يصعب حصرها، لكنه كان دائماً "المعلم" في حل المعضلات وتجاوز الصعوبات، أبرزها دوره المهم في مواجهة موقف واشنطن وحلفائها وتحويل مساره، وهو موقف بلغ ذروته في بروز إمكانية لاتخاذ قرار باستهداف سوريا عسكرياً. ولعلّ أكثر المهام صعوبة كانت قدرته على إقناع العالم بشرعية حكومة الرئيس بشار الأسد، تأكيداً منه ودعماً لسيادة بلاده. مهمة أنجزها بإتقان، ونجح فيها إلى حد كبير، وخصوصاً مع دعوة سوريا إلى مؤتمرات جنيف.
المعلم، الدبلوماسي الحازم في تعامله مع الدول الغربية المعادية لبلاده، ترك الباب الدمشقي مفتوحاً في وجه دول عربية قاطعت سوريا وتآمرت عليها في محنتها. أما آخر تصريحاته، فكانت مهاجمة "قانون قيصر" الأميركي، واعداً الشعب السوري بالحصول على الدعم من روسيا لتخطي الأزمة.
الدبلوماسي الوفيّ
المعلم، الوفي لبلاده في سنوات المحنة والشدائد، ظلَّ متمسكاً بأرضه وبحقها في الدفاع عن سيادتها ومصالحها. عُرض عليه الكثير من الإغراءات لمغادرتها، لكنه صمد وتحدى كل ذلك بـ"هدوئه القاتل"، وحارب من أجلها بسلاح دبلوماسي فتاك، ولم يفرط في حبة واحدة من ترابها. إنه المعلم الذي ترك في تاريخ سوريا الحديث بصمة لا يمكن أن تمحى بمرور الزمن.. إنه الدبلوماسي المقاوم حتى آخر نفس.
الميادين نت