إعلان

تابعنا على فيسبوك

الإسلاميون والتطبيع

أربعاء, 23/12/2020 - 14:09

توحي صدمة التايم لاين بتطبيع الإسلاميين في المغرب مع إسرائيل بأنّ الأمر بدع. ليس كذلك. بل الواقِع أنّ هذا النوع من الاندهاش هو بالذات ما يمحو تواريخ التطبيع ويمنع عنها البداهة. فهو نوعٌ من المقاومة، وإنْ كان فيه أحياناً خداع للذات.

من المهمّ التذكير أنّ حركة حماس نشأت في أجواء تطبيعيّة. وظلّت لسنوات في الثمانينيات تتلقّى التمويل من إسرائيل. بل وإنّ الاستراتيجيين الإسرائيليين راهنوا على تقويتها لضرب الانتفاضة الفلسطينية في 1987. الناظِرون في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي يجدون سنوات طويلة لا توجد فيها حرب إسلاموية ضدّ إسرائيل. وهي بالصدفة نفس سنوات تحالف الإسلامويين مع الغرب ضدّ القوميّة العربيّة واليسار. لاحِقاً فشل المشروع الإسرائيلي وتحوّلت حركة حماس من حركة دعوية وخيرية إلى حركة مقاومة، وذلك أساساً بفعل ضغط الجهاد والجبهة الشعبيّة والانتفاضة.

منذ 1994 وحماس تدعو إلى هدنة تعترِف فيها مؤقتاً بحدود 1967. ولكنّها حوّلت هذا إلى اعتراف رسمي في وثيقتها الأخيرة، داخِلة، نظرياً، في مسلسل كامب دَيْفيد. جذور هذا ظهرت في 2006 غداة انتخاب حماس في غزة. فقد أرادت أن تتولّى فتح العمل اليومي مع إسرائيل بينما تتولّى حماس الشأن الداخلي. ولكن جزءاً من الخلاف أنّ فتح، التي نقعت في التطبيع، رأت أنّ حماس تضرب نفس الغصن الذي تقِف عليه، ولم تقبل بأن تغسل لهم خطاياهم دون ثمن كبير. فاقتتلا.

بعد الربيع العربي تغيّر موقِف الإخوان من إسرائيل. ففي سوريا حيث ثارت الحركة وحملت السلاح وبدأت تتهيأ للحُكم أصدَر المراقب العام السابق للإخوان المسلمين، صدر الدِّين البيانوني، وعد بلفور فيه تطمين لإسرائيل فيه ووعد بالاعتراف بإسرائيل وتشريع حدود 1967. ظهر وعد البيانوني من على القناة الثانية الإسرائيلية في يونيو 2011. أما في مصر حيث وصل الإخوان للسلطة بالفعل فإنّ المرحوم محمد مرسي بعث في مطلع 2013 برسالة إلى من سمّاه بصديقِه العزيز، ولم يكن هذا غير مجرم الحرب، الرئيس الإسرئيلي شمعون بيريز، الذي أعلن المقرّبون منه أنّهم تفاجأوا من نبرة مرسي. وقد حلحَل مرسي عدوان إسرائيل على غزّة بنفس طريقة الوسيط المصري أيام مبارك وعمرو موسى.

العدالة والتنمية في تركيا ليس حزباً إسلاموياً بالمعنى التقليدي، فهو لا يدعو للعودة إلى زمن أبو الدرداء، كما لا يدعو لتطبيق الشريعة الإسلاميّة أو نقض العلمانية. ولكنّه حزب نبراسٌ للحركات الإسلاميّة، وبالأخصّ بعد سقوط برامجها، ولأنّه صار حليفاً سياسياً لها بعد أن أخذّ طرفاً في الفتنية العربيّة. إنّه حزب محافِظ بوشائج قومية ودينيّة. ومهما يكن فإنّ هذا الحزب هو أكبَر مطبِّع في تاريخ الإسلام مع إسرائيل. فقد رفَع التبادُل التجاري مع إسرائيل إلى أكثر من ملياري دولار، فضاعفه بنسبة 60%. وقد وضع أردوغان الغار على ضحايا الهولوكوست بإسرائيل وأدان البرنامج النووي الإيرايني باعتباره خطراً على إسرائيل وأرسَل طائرات المطافئ لإخماد النيران في تلّ أبيب وزاد في عهده عدد السياح الإسرائيلين إلى تركيا من بضع آلاف إلى أكثر من نصف مليون سائح سنوياً.

حاصِلُه أنّ موقِف الإسلاميين أو المنسوبين إليهم من التطبيع يتغيّر بتغير وضعية الشطرنج. فهم إمّا يرِثون التطبيع كما في مصر فلا يُفسِدونَه أو يعرضونه كاستراتيجية وصول للسلطة كما في سوريا أو يحملون شعلته في إطار تحوّلات أو مقايضات سياسيّة، كما في المغرب، أو يقبلون بأصول كامب ديفيد، كما في فلسطين. التطبيع يشقّ في نُخبٍ من الأمّة لأنّه يمتلك قوّة المداهنة. وهو لا يُميّز بين إسلاموي وغير إسلاموي. ففي وضعيات سلطويّة معيّنة تقبل به نُخب معيّنة. ولكن الجمهور يرفُضه. وهذا هو الأهَمّ. وهذا ما يجب أن نُركِّز عليه. إسرائيل لا تمتلك جذور البقاء في المنطقة. المسلمون طبّعوا مع الصليبيين، كما أنّ الإسبان طبّعوا مع المسلمين في الأندلس. كلُّ من الأندلس والصليبيين لم يمتلِكوا بنية البقاء في غلبة حضارية وديمغرافيّة تُحيط بهم. وهكذا على المدى البعيد من التكاتف الدِّيمغرافي والاستدراك العسكري ستنفخ الريح في إسرائيل. هذا قد يأخذ عقوداً طويلة. ولكنّه سيحدث. وفي انتظار حرب استردادٍ طويلة الأمد فإنّ انبطاحات ستحدُث. ولكن، وكما تغنى فيروز، فإنّ القُدس لنا والبيت لنا.
فالغضب الساطِع آت!

يتواصَل النضال!

عباس ولد ابراهام