إعلان

تابعنا على فيسبوك

حوار مع العقيد خارج خيمته 17

خميس, 24/12/2020 - 22:22

"يمكنكم إذن النوم وعيونكم مفتوحة عدة سنوات حتى ولو كنتم بين أكوام من "الكناسة" والأوساخ، لقد سمعت من -صوت العرب- أنكم محرومون من هذه الإمكانية الخلاقة، وقرأت عن الخوذة الفولاذية.. عفوا.. الصولجانية السحرية.. وسمعت أن إبليس يحمل رقم"صفر زائد واحد" قد استحوذ عليها مدعيا أنه ملاك وشهد له بذلك(تشرشل وترومان). وصدقتم أنتم تلك الأكذوبة وانطلت عليكم الخدعة.."
من قصة القرار إلى جهنم
 للكاتب معمر القذافي 
•••••••

كانت شمس اليوم الرابع، لرحلتي مع العقيد، التي ابتدأت شروقها بكسوف كليٍ، قد توشحت ببعض الغيوم المتفرقة، والتي تركت ورائها قطع من الظلال المتناثرة فوق رمال الصحراء، فجعلت من تعاريجها، كأنها لوحات سريالية استوحت إبداعها من طبيعة حقيقية أتقنها المبدع الأوحد، فأحسن صنعها.. طبيعة لا تجمع جمال الشكل والروح والعمق فحسب، وانما ترسم ملامح وملاحم صناعة التاريخ، وبناء الأجيال، وإشعاع نور الرسالات الخالدة..
وما أن تجاوزت الشمس عمود الظهيرة، حتى ترأى الأفق كأنه شاشة سماوية عملاقة تبث مشاهد متحركة، و إشياء بدأ بعضها كأنه مراكب تعبر بحر لجيً.. وبدأ بعضها الاخر كأنه واحات تنتصب حول بحيرات تستوطن بحر الرمال العظيم..بينما بدأ بعضها الاخر، كأنه بقر وحشي.. كما تقول طرفة رواية قبيلة "أرياح" عن "بقر الغويات" والذي لم يكن إلا احجار تراكمت عند "بئر مَغَطِي"بمنطقة "نينة" رسمها السراب لعائلة "الغويات" على هيئة بقر وحشيٌ. 
تَرَاءتِ تلك الصور  كأنها الحقيقة وما هي إلا حقيقة السراب. 
أمًا أنا فقد ذهب الروع عني بمجرد انقضاء الكسوف، وعودة الشمس إلى كبد السماء، ولكن سرعان ما توجست نفسي، ودخلت في سجالٍ داخليٍ مع ظاهرة السراب، التي أمتدت عبر الأفق امتداد البصر..
كانت نفسي تتوق ككل مرة لسؤال العقيد عن الأشياء، والاحداث، والظواهر التي تصادفنا، فقلت له: يا سيدي العقيد، كيف ترى هذا السراب؟
ردً عليً مبتسماً، وقد أدرك حجم ارتياحي، وطمأنينة نفسي، وعلم مرام ما بداخلي، وما كنت مستنطقه منه، فقال يا ابني، إن هذا السراب هو حقيقة الوهم! 
أنتفضت نفسي بتعجب إزاء ما ذكره العقيد، فقلت له معقباً ولكن يا سيدي كيف تكون الحقيقة وهماً؟
أجاب العقيد قائلاً بل كيف يكون الوهم حقيقة.. هذا هو منطق الأشياء السليم!
ولكن يا سيدي، سواء أكان السراب وهمٌ الحقيقة أم حقيقة الوهم، فهو من اللاوجود، أليس كذلك؟!
رفض العقيد استنتاجي هذا, وقال إنه من الوجود.. وله لون وشكل.. واسم.. وهو حقيقة، بل الأدهى، إنه يقنع البصر بوجوده، ويجعل له أتباع، ومريدين وحتى انصار وصعاليك يدافعون عنه وقد يموتون من أجله في "غوط الباطل"، ثم يسمونهم "شهداء السراب"! إذن هو شيئاً موجوداً نراه، ونمشي في دربه، وكلما اقتربنا منه ازداد هو بعدً عنًا، ودعانا إليه بغرور  فنتبعه! 
هو السراب، يا إبني الذي تركضون خلفه، تارة "للتحرير"، واُخرى "للتلبية والتكبير"، واُخرى "لولوج اوكار منتديات الحوارات بل وحتى "الانتخابات" فرادى وجماعات.. وأحيانا تركضون خلفه لإجل لقمة العيش.. أو تلقي الهبات. 
قلت له، ولكن يا سيدي.. ولكن هذا الس..
أستمر العقيد في حديثه، ولَم يكترث لمقاطعتي له، فقال، كم فتك سراب بقيعة بضمأن يبس فاه.. ثم اكمل حديثه بالقول، إن السراب يا ابني هو أن تترك الارض البور، أرض البسطاء، والشرفاء، وتحرث في بحر الوهم، فتهدر بذورك وتغرق سنابلك! فهو إذن شيء موجوداً قبلناه ام رفضناه.. ولكل شيء حقيقة.. وكل حقيقة لابد ان تقدم كما هي!
قلت له، ولهذا وجب تقديم السراب على حقيقته كباقي الأشياء كي يزول الجهل الذي سينتهي عندما يقدم كل شيء على حقيقته".. اليس كذلك يا سيدي.. تماماً كما دونت انت في "كتابك الاخضر "..
قال العقيد معقباً، ومن قال لك إنه أنا من كتب الكتاب الاخضر!
تذكرت شطحات بعض رويبضات متوهمي الكتابة، حفنة من كورنيش بنغازي، وحفنة من رواد فندق الجودة وبعض سقط النيل ومتاع من "عفن الخليج"، ممن نذروا أقلامهم للتربص بالعقيد حتى نسبوا الكتاب الاخضر لغيره، حسدٌ من عند أنفسهم، كما حاولوا التطاول على محتواه، جهلٍ وغباء وحقد.. ومع ذلك لم أشاء ان اذكر أسمائهم امام العقيد، الذي كان في كل مرة لا يكترث لهذه الشوائب..
قلت في نفسي ماذا لو كان ذاك الكتاب من عند غير العقيد، إذن لجعلوا له مراكز أبحاث ودراسات.. وحتى مراكز للتحفيظ.. بل ولقيضوا له معلمين، كامثال أساتذة الفكر الجماهيري، الذين تحول بعضهم إلى نواب برلمانات في "فبراير"، وتحول بعضهم الاخر إلى قادة ميليشيات، وحتى دواعش منتديات وصالونات وحملة صكوك غفران و"كفران".. واستبدل بعضهم مراكز التوجيه الثوري بمراكز عساكر سوسة.. ومع كل ما جال بمخيلتي من هواجس، ارتأيت الا اسأل عنها العقيد الذي لا يكترث للصغائر.. ويعمد ان يترك ذلك للايام..
ولكن عدت وقلت له، إذا لم يكن هو العقيد، فمن كتب الكتاب الاخضر إذن يا سيدي؟
قال لي وما رأيك انت؟! 
حاولت الكلام متلعثماً بتمتمة غير مفهومة،  ولكنه استطرد قائلاً، انتم دائماً تجنحون إلى السراب.. قد قلت لكم ذات مرة إن هذا الكتاب ليس محل صياغة، أو تأليف، وأنما هو خلاصة لتجارب فكر الانسانية نحو غدها الموعود، ولَم يكن لي فيه من دور إلا أن جمعت تلك الخلاصة.. ثم توقف قليلا والتفت نحوي وقال ولهذا، فان الوهم لن ينتهي ما ظل السراب فيكم، حتى وإن علم الناس انه سراب!
قلت له ممازحاً أهي مقولة جديدة يا سيدي!
ضحك العقيد بصوت رخم ثم قال لك ان ذلك إن شيئت!
قلت له، ولهذا يتوهم الناس سرابهم حقائق!
قال العقيد هناك فرق بين أيهام الوهم وحقيقة السراب، فالمغضوب عليهم ليسوا هم الضالين مع ان محصًلة عملهم واحدة!
 فكل ما حولكم من شعارات هي كحقيقة هذا السراب! تبدو لكم بقيعة وما هي إلا عين الضمأ. ثم سكت ولَم يعقب. 
وبينما كان العقيد يتحدث عن سراب البقيعة الذي الا يبلغه الا الموتى قلت في نفسي، نعم يا سيدي العقيد قد حل فينا هذا السراب، واستحوذ على كل افاقنا، واستولى على كل مخيلاتنا، وترأت أمامناً أشياء لم تخطر لنا ببال!
لم نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ فحسب، وأنما امعنت نفوسنا في التشبث بكل ماهو عار.. ركضنا خلف السراب، وأعدنا إنتاجه، وتقديمه، واستهلاكه، في “خساسة” لا يعرف التاريخ لها مثيلاً.. ومع ان خيالي الجانح لم يتوقف عن استحضار تلك المشاهد البائسة، الا إنني عدت لأسأل العقيد، ولازالت تجوب بمخيلتي ملامح هذا المسخ غير المسبوق في تاريخنا، قلت له ياسيدي لماذا لم تطلق عليهم صرخة "من انتم؟!" قبل أربعين سنة؟ ولما لم تقل لهم اين كان آبَاؤُهم وأجدادهم إلا الان؟
وماذا كُنتُم فاعلين!
رد العقيد بتعجب دون أن يجيبني.. فقلت له، لربما فعلنا ما تفعله عجائز البادية عند بداية الخريف وعند مواسم المطر؟
ضحك العقيد من قولتي ثم قال بلهجة البادية (الوني)! قلت نعم.. قال كيف؟ ثم لم ينتظر إجابتي.. أسترسل في حديثه قائلاً، لو فعلتها وعرفتم حقيقة التاريخ لكان بمثابة "خرم”  او "فاهق" في بيتكم.. وليس "وني" يقيكم السيل العرم! ثم اضاف ولا تنسى ايضاً انه  "القاطر" الذي إن جاء من "كْربًة الخيمة" فلا عاصم لكم من الطوفان.. ثم سكت لبرهة، وعاد ليسألني إن كنت قد أدركت تلك المآلات!
قلت له نعم يا سيدي العقيد، إن "القاطر" إذا تسرب من "كربًة البيت" فهو مثل "الهائشة" التي فتقت "ستار" خيمتك ذات يوم ولدغتنا نحن وأنت يا سيدي العقيد..
نظر العقيد في الأفق اللامتناهي من حولنا، وأشار بيده إلى البعيد، وقال، تماماً كهذا السراب الذي يغشى الأبصار ولا يصله إلا هالك..
ثم أشاح بصره عن السراب، ونظر إلى ناحية قريبة بها "وشكّة" من النخيل اليبس، وقال "لا استقلال لامة تعشق السراب وتبني له قصور من الرمال"..
وما أن ذكر العقيد كلمة "استقلال" حتى شعرتُ إن الارض قد رجتً رجًاً، وكادت السماء تنفطر، أمام ناظري، وقد
تذكرت كيف جعلوا من سراب ذاك الماضي البغيض، يوم للاستغفال والاحتفاء بالعار.. وكيف جعلوا منه عيدً لاولهم ولآخرهم !.. تذكرت كيف جدد الخونة والعملاء الاحتفال، بأشد صفحات تاريخ الوطن حلكةٍ وظلامٍ،، حيث يغمض عمر المختار عينيه.. ويعتذر له سعدون والجويفي وبومطاري والفضيل! وحيث ينكسر التاريخ خجلاً، كما انكسر يوم نصبوا لعمر المختار مشنقة تدين تاريخهم قبل ان تصدر حكمها في "المختار" نفسه.. الذي أسموه في قراطيسهم "زعيم عصاة برقة".. الشيخ المسًن الذي ما كان قوله يومها إلا انه عليكم بمحاربة جيل يأتي من بعدي يرغم روما ويمرغ انفها طال الزمان ام قصر.. فجئت انت يا سيدي العقيد رغم أنف احفاد الخونة الذين جعلوا من سليل الخائنين بطلاً يتوج بجوقة ملكة بريطانيا كما توشح بصليب الفاشية من قبلها يوم منحه الطليان لقب الامير في اتفاقية الرجمة مقابل ليرات إيطاليات معدودات، وكان الفاشست فيه يومها من الزاهدين.. فهرب سليل الخائنين الى الاسكندرية ليلتقطه بعض الضباط الإنجليز ويتخذونه عميلاً يهشون به في "العلمين" .. وينفعهم وكان لهم فيه مأرب اخرى.
ظل خيالي سابحاً في تلك المخيّلات، والمشاهد القاتمة من تاريخ الوطن، وأخذت خطواتي تتثاقل..
توقف العقيد عّن المسير، وأشار إلىً بالجلوس، عند كوم من الرمال بدأ لنا كأنه أريكة أُعدت في الصحراء لاستقبالنا.
أخذ العقيد مجلسه ومدً رجليه على الرمال.. وكان طوال الوقت ثابتٌ لا يتحرك، إلا في مواضع معدودة.. كان يخط تارة بعض الخطوط فوق الرمال.. وكان تارة اخرى يدفع بأصابع قدميه لتغوص في الرمال..
امًا انا فقد جلست قبالته وكنت طوال الوقت أتأمل تقاسيم وجهه، إذ كان قد أماط لثامه.. وأمًا خيالي، فلم تفارقه، ولو لبرهة تلك الهالة الحزينة، وذلك التاريخ المسخ، ما جعلني أعود لأسأل العقيد مجدداً عن "الجيش السنوسي" وقد وصفته بعساكر سوسة؟
سألني العقيد بارتياحية كاملة فيما لو كنت اعرف "عساكر سوسة"؟
قلت له لربما كانوا بعض الاشرار من القراصنة الذين ربما اتخذوا من "سوسة" مقراً لهم.. او انهم بعض الصعاليك.. او لربما هم أولئك الذين.. ثم تذكرت بعض من تاريخهم فقلت له من فوري هم اولئك "القادمون" في ذلك الزمان ممن جاؤوا من "سوسة تونس" لتحرير طرابلس من قرصان البحر "برغل واتباعه"!
ثم قلت له، ولكن ما علاقتهم بجيش السنوسي الذين جندت بريطانيا افراده في الاسكندرية عندما هرب ادريس إليها تاركا عمر المختار يصنع التاريخ!
اجاب العقيد، وقد عاد ليعتريه ذلك الوجوم، فقال ان الركضٍ  وراء مجد كاذب.. والتباهي الخادع بتاريخ مصطنع لأجداد وهميين لم يخلفًوا إلا العار الذي سار عليه أحفادهم، هذا الركض لا يبني مستقبل.. ولا يصنع حاضر.. فلا تبتئسوا بما كانوا يفعلون.. تلك كانت تركة ثقيلة تركناها لكم.. وللزمن.. كي تعوا حقيقتها يوم تتساقط أمامكم كل الاقنعة.. ثم نظر إلي وقال بهدوء، أما قلت لكم ان فجر "دولة الحقراء" أَت فلا تلتفتوا لغيره! ولو وصموكم بفعل الحقارة ازدراء من عند أنفسهم.. 
ادركت مجدد أن العقيد الذي يضع التاريخ نصب عينيه، لا يكترث بما يطفو فوق السطح من شوائب، ومع ذلك حاولت استنطاق بعض مما لا يمكن الوصول إليه، فقلت له، آما كان عليك يا سيدي العقيد، أن توثق بعض من هذه الصفحات المظلمة من تاريخنا في فيلم "عمر المختار" أوفِي كتاب "تاريخنا".. أليس من حق الأجيال معرفة ماضيها؟
توجم وجه العقيد وقطر وعبس، ثم قال “يا ولدى” أن حامل المسك لا يجاور نافخ الكير,  ونحن قمنا بازالة البراثن, ولَم نكن نهتم بنبش القبور!
قلت له ولكنهم نصبوا منارة من دم، استوجبت منًا الحقد المقدس.. والحث على تصحيح إنحراف التاريخ! فكيف نحتفي بالاستقلال و "بالسنوسي" الذي راهن على الطليان فنال لقب "الامير" في  وكر الرجمة بعدما خطً حروف النضال.. وزور جهاد "الأدوار".. وابتدع جهاد "الأدوار المختلطة" مع الطليان.. ثم تبرأ من عمر المختار..  إلى ان فر لمصر..  كما فر حفنة الهاربين  في 2011.. حيث استحق عار أخر.. ومارس افعال الخيانة مع الحلفاء لينال لقائها لقب "الملك الهزيل" من خارجية بريطانيا وشركة آلبي آلبي وتكساس بتروليوم الذين منحوه بركة "التستور البترولي" مع مسودة دستور ادريان بلتو لينتج عقيدة فاسدة  كان نتاجها "البرغوث". ثم أضفت بحنق وقلت له يا سبدي العقيد حتى "عمر المختار" لم تعرفه الأجيال إلا على يديك أنت وبعض من إشعار أحمد شوقي والمهدوي.. يا سيدي العقيد لو كان تاريخ المختار كذبة لوضعناها في عنقك.. فنحن لم نرى له صورة على عملة.. ولَم تتسع ذاكرتنا الشعبية لأي رواية عنه.. ولَم نسمع بقصيدة تمجده.. او تذكر تاريخه.. بل حتى ملحمة (ما بي مرض غير دار العقيلة" لم  تذكره.. ولم نجد نادٍ او محلة او شارع يدلنا على المختار إلا جادة طرابلس التي اسماها بشير السعداوي فكان جزاؤه النفي في اول مرسومٍ ملكيٍ.. ما جعل بقر السنوسية يتشابه علينا.. ثم قلت له، ولازلت حانقاً، حتى بشير السعداوي نفسه ورفيقه محمد زارب اللذين نالا منك الكرم، قد تحولا إلى "ميليشيات".. بل ان "زارب الابن" رد بعض من هذا الجميل، فكان اول  السفراء المنشقين، يوم أوعز "برنارد ليفي" لغلمانه باقتحام المكاتب الشعبية والقنصليات..  
واليوم فالذين احتفوا بإعدام عمر المختار, والذين أداروا ظهورهم لجهاد سعدون, والذين علقًوا رأس الفضيل بوعمر في شوارع بنغازي.. عاد احفادهم اليوم ليحتفوا بأكثر صفحات تاريخ الوطن قتامة.. بل وأبشعها عار يندى له كل جبين. 
والذين كانوا يمتهنون مسح الاحذية ويعصرون الفينو لاسيادهم من الكابترانية ببنغازي الى الملاًحة وحتى قفار فزان، قد خرجت من سلالتهم "ڤبطرانية" ما سبقهم لها احد من الخائنين، انها، ذرّيات بعضها من بعضها، لا يتجاوز طموحها، الحنين الى تقطير نخب مسلاتة فينو، وفينو دي اويا وقبطرانية منارة خريبيش مع الكونديستا والبنديتي ويهود الحارة.
قاطعني العقيد بحدة قائلاً هذه صفحات قاتمة من تاريخكم، إن سألتم عنها تسؤكم! تنهدت بعمق والتزمت الصمت وكان قرص الشمس قد اختفى نصفه او يزيد خلف الأفق.. ثم غربت الشمس تاركة خلفها ألوان قرمزية أضفت على رمال الصحراء شيئا من السحر الذي يأخذ الابصار.. وكان هلال غرة الشهر قد لاح خلف تلك الألوان المتموجة ليمكث في السماء برهة من الزمن.
نظر العقيد في الهلال وتمتم ببعض الدعاء.. حاولت ان اقترب منه لاسترق بعض السمع ولكن العقيد نهض من مكانه ولازالت الرمال عالقة بقدميه..
حاولت ان انفض عنه بعض منها، فأحال بيني وبين فعل ذلك، وقال نحن من تراب والى تراب فلا تفرطن في التراب. 
توقف حماسي عند كلام العقيد حول قدسية التراب كما استحضرت نفسي قولته، "هذه صفحات من تاريخكم ان تسألوا عنها تسؤوكم".. فكانت كل محاولات إجترار الحديث بعدها عقيمة ولا طائل من ورائها أمام ثوابت العقيد!

خميس الزناتي