إعلان

تابعنا على فيسبوك

عبد الله حرمة الله: أمجد ناصر.. يحي خالدا

أحد, 27/12/2020 - 12:40

“متٌ كثيرا (..) ألم نر أشجاراً ممددة إلى جانبها لكي ترتاح من عبء الوقوف.”

**

بعد أربع مائة يوم، تزيد دمعة كل لحظة وحزنا دائما، أناجي ملهم لذيذ يحيى بيننا، صرف من أجله أمجد ناصر؛ اسمه، حياته، وجميل أوصافه : طاووس زغرد في حلق الوجود؛ كأنه فجر لاينطفئ.

في هدوء، تقطع صمته المطبق، ذبذبات “راديو قديم” تروي قصة طفل المفرق، بسرد جميل وأفكار أنيقة، حياة رجل عصامي، شاعر فذ وأديب عبقري.

على وقع أنفاس الربيع وحرارة مشاعر نخبة متحمسة لغواية ليل باريس المرصع بنجوم الفن وأنواء الشعر، همس بين نصين، بعد حديث ضحكته الجميلة: الحياة، مصرة على اغتيالنا ونشر الموت في أجسادنا؛ واصل بعد ابتسامة بطيئة سرد شعر صالح فراشات المدينة مع ليل الأنوار المشرقة، حياة لا تتوقف.

كان صديقي أمجد، بطلا، يواجه بتجرد الموت في ثنايا الحياة، ويعشق سمرة الوجود وألق الورود، و مواصلة الرحيل تحت سماء، تشرق شمسها بعد كل غروب، متحدية عتمة الفصول واستهتار الطبيعة برفقة حياة توزع بسخاء كؤوس الموت على أبطال مسرحها الكبير.

هناك؛ في حضن الروح، من جوف صومعة الشعر، يطال الانشغال أشياء تروق لذائقة مترعة بحب حرف يعبر ليذوب تحت زحاف “طويل” أقصر من بحر قصيدة مدينة مسترخية على غيوم إبداع صعب المنال : كان صديقي، دبلوماسيا لا يجامل في الشعر ولا تثنيه شفاعة القوافي؛ يحملنا إلى مملكة الحرف فنستمتع باللحاق؛ عل الذائقة تسموا على طينة “البهيمة” المستوطنة أجسادا خاوية من الشعر، ممتلئة بحشو “وجود” عاشوه تراكما بدينا : على نهج سلك طريق المتعة ليصغي الفؤاد. دقائق في رفقته، تكفي لنجاة العائد من ذعر لايطاق!

في وجدان صديقي أمجد ناصر يشتعل البخور، ويرتفع صوت “ولد عوه” احتفاء بالشعر وبادية العرب العالمة؛ لحقت روحه من شنقيط بأنفاسه الفلسطينية وجسده العربي في أحياء عمان؛ ومضى حضوره اللذيذ في عجوز القارات ديوانا أثرى الحضارة وأعاد للشعر بريقه وللوفاء شاعريته وللإنسان نبل مسعاه.

نلت رفقة نخب المنفى الشمالي، ببيتي الباريسي وعلى صفحات ” القدس العربي” ، متعة مرافقة تدفق بودلير العرب في سرد لذيذ لكفاح الشعر ومعارك الصواب وترفع العقل عن الخلود في رماد الذكريات والنواح الجاف لمنابر الثقافة العربية؛ في طريق العودة من صقيع الجمال، توقفنا بمحطات خرافية لرحلة لا تنتهي تحت ضوء القمر وعلى بلاط تعج منه رائحة الحياة؛ 

أحاط ببوح مآذن الحرف، في رصد نادر للتراث، طال عدد البقرات الحلوب أمام كل خيمة في الوطن الكبير، علنا نستعيد من نسق حياة البداوة ما نستعين به على روتين المدينة المتلف للإبداع، الذي نحتاج لمواجهة عار الحضارة!

حرك أمجد القادم من واحات التفعلة وحقول الخليل، عروش النظم، وسقى جداول الشعر زعفران الإبداع وغرس بذور لغة صالحت الحرف العربي مع عبقرية بريد الدم الحامي وقبلة الحياة؛

عبد الله حرمة الله

 كاتب من موريتانيا