على مدى حوالي سبعين عاما تشكل عمر اسرائيل كانت هذه الدولة بعيدة عن المراقبة الدولية فيما يتعلق بممارساتها ضد الفلسطينيين الموصوفه من قبلهم بانها جرائم حرب او جرائم ضد الانسانية. وجرائم الحرب هي تلك الانتهاكات لقوانين الحرب - أو القانون الدولي - التي تعرّض شخصاً للمسؤولية الجنائية الفردية. وهي تشمل تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم و الجرائم الموجهة ضد المدنيين كاغتصاب النساء والتعدي على الممتلكات الشخصية و التشغيل والتهجير القسري و التعذيب والإبادة الجماعية .
وعلى امتداد تاريخ الدولة العبرية، وحتى قبل قيامها في عام ١٩٤٨، كان المسؤولون الحكوميون، وبخاصة رؤوساء الحكومات، والقادة العسكريون لا يتحرجون من القيام بهذه الاعمال لتحقيق اهدافهم، ولا يرون انها اعمال خاطئة. واذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق بن غوريون هو الاشهر على هذا الصعيد، الان رئيس الوزراء الحالي بينيت سوف يتبوأ مقعدا متقدما في هذا المجال. فالمعروف عنه انه يؤمن بأيديولوجيا يمينية متشددة واضحة المعالم، إذ يدعم حق "شعب إسرائيل" في ما يُسمى "أرض إسرائيل الكبرى"، ويؤيد بناء المستوطنات وضم أراضي الضفة الغربية لـ"السيادة الإسرائيلية الكاملة". كما يؤمن بقوة بضرورة الرد العسكري القاسي على المقاومة الفلسطينية وسياسات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، كهدم بيوت "منفذي العمليات"، ويقف ضد تحرير الأسرى الفلسطينيين وضد صفقات التبادل. ففي عام 2013 قال إنه يجب قتل من أسماهم "المخربين" الفلسطينيين "لا إطلاق سراحهم"، كما قال إن الضفة الغربية "ليست تحت الاحتلال... لأنه لم تكُن هنا دولة فلسطينية". وفي جلسة نقاش حول تحرير أسرى فلسطينيين قال: "إذا اعتقلنا مخربين، بكل بساطة علينا قتلهم". مفتخراً بقوله: "قتلت الكثير من العرب، ولا يوجد في ذلك أية مشكلة".
ومثل هذه التصريحات سوف تجعله في بؤرة اهتمام ورقابة المحكمة الجنائية الدولية التي حكمت باختصاصها بالتحقيق بجرائم الحرب في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧.
ورغم ان اسرائيل اعلنت انها لن تتعاون مع المحكمة، مدعومة بذلك من قبل حليفتها التاريخية الولايات المتحدة، الا انها لا تخفي قلقها من هذه الخطوة الدولية غير المسبوقة بالنسبة لها. ولا يخفي الاعلام الاسرائيلي قلقه من الاجراءات المستقبلية التي يمكن ان تتخذها المحكمة الدولية. وفي هذا السياق ذكرت صحيفة "هاآرتس" أن السلطات الإسرائيلية تقوم بتجهيز لائحة سرية تضم بين 200 و300 مسؤول سياسي وعسكري يمكن أن تشملهم ملاحقات المحكمة الجنائية. ومن بين هؤلاء بنيامين نتانياهو، ووزراء سابقين مثل موشيه يعالون وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت. كما أن اسم بيني غانتس الخصم السياسي الأبرز لنتانياهو وارد على هذه القائمة.
قد يبدو قرار المحكمة رمزيا بالنسبة للبعض، بحجة ان اسرائيل ليست عضوا في المحكمة، الان انه حتى رمزية القرار مهمة وذات قيمة، لانه يضع اسرائيل تحت الرقابة الدولية. واذا ما رافقت هذه الرقابة جهودٌ فلسطينية لرصد جرائم اسرائيل، فان هذا قد يشكل رادعا معنويا لاسرائيل بقدر كونه دعما قضائيا للفلسطينيين. وهذا امر يستحق الجهد.
فاطمة سياحي