لا نعلم حقيقة مدى جدية تصريحات البعثة الأممية في ليبيا بشأن الالتزام بموعد 24/12،، ولا بمدى إدراكها بأن سلوكها اليومي قد أصبح عاملا مشجعا للمعرقلين.. وان "رخاوتها" قد أصبحت تغري هؤلاء بمختلف مواقعهم وأطماعهم حتى أصبحنا ننتظر أن يُعلن عن تأجيل الاستحقاق بين لحظة وأخرى..
في الوقت الذي كان من الأجدر لبعثة الأمم المتحدة الخاصة بليبيا تقديم الاستشارات المساعدة لقيام انتخابات نزيهة والتأكيد على تنفيذ خارطة الحل السياسي وشروطها كاملة غير منقوصة..وفي ذروة المناكفة والصراع بين الفرقاء، وفي عزّ الحاجة إلى رادع سياسي وأخلاقي ومجتمعي يوقف المعرقلين عند حدّهم ويذكّرهم بما قد تعهدوا به ووقّعوا عليه..
فوجئ الليبيون بتدخل بعثة الأمم المتحدة، ومطالبتها المثيرة للاستغراب بإلغاء البرلمان المادة 12 من قانون انتخاب الرئيس، وهو ما يعني بطريقة غير مباشرة السماح لرئيس الحكومة (عبد الحميد دبيبه) بالمشاركة في الانتخابات المرتقبة، في انتهاك سافر وغير مفهوم لخارطة الطريق التي وضعتها البعثة ووافق عليه المجتمعون بالأغلبية حينها، ضربَ بعرض الحائط التعهدات الموثّقة المكتوبة والمرئية التي فرضتها على المرشحين للسلطة التنفيذية بعدم تقديم ترشحاتهم للمرحلة التمهيدية الانتقالية. وبالتالي فقد وضعت البعثة نفسها في موقف مريب، ولا يوجد تفسير لهذا العمل إلا أن هنالك صفقات مشبوهة بين البعثة بإداراتها الحالية وعصابة عائلة الدبيبه. وتتناقل وسائل الإعلام الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الأنباء عن رشاوى وصفقات وإغراءات طالت مواقع نافذة في البعثة وفي هيئات سيادية ليس الآن مجال ذكرها بالأسماء.
وللعلم الآن، فإن طاقما من الحكومة يعمل الآن بكامل طاقته للتجهيز للانتخابات وإقصاء منافسيهم عبر آلية الطعون في المترشحين. وأن هنالك "شريكا مقيما" للمفوضية عيّنه الدبيبه اسمه وليد اللافي كي يشرف على كافة المهام المريبة ذات الصلة بهذا الأمر.
وهذا المحظور الذي حسبت حسابه البعثة سابقا ووضعت له قاعدة بأن لا يترشح أحد من قيادات السلطة التنفيذية للمرحلة التمهيدية للانتخابات لكي لا يحدث تضارب المصالح واستغلال أموال الدولة ومؤسساتها لصالح ترشح رئيسها،، قد حدث بالفعل في ظل مصادر مؤكدة تقول أن المدعو مكرم ملاعب، وهو عضو بالبعثة، قد تلقّي رشاوى لتغيير قواعد اللعبة بشكل متأخر..
لا شكّ أن الجميع على علم بعدم أحقية الدبيبه خوض الانتخابات.. وأنه بصدد فعل كل شيء ليضمن ذلك، وأن تحالفاته المريبة وفي صدارتها تحالفه مع الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي تقيم الدليل وحدها على عدم النزاهة وبالرغبة في استخدام المال والـ"عطايا"..
كما علمنا أيضا أن مشاورات قد انطلقت من جديد لإعلان حكومة موازية في الشرق والجنوب، لأن الفاعلين السياسيين يعلمون أن نتيجة الانتخابات محسومة من الآن لصالح عائلة دبيبه.. وبالتالي فإنه لن يكون هناك قبول لنتائج الانتخابات أو اعتراف بالهزيمة في بيئة مسمومة بالرشى والفساد وشراء الذّمم والتواطؤ.. بما يعني أننا سوف نكون أمام تداعيات أشدّ تعقيدا منها ضياع الجهود وذهاب تضحيات وعمل سنوات عديدة أدراج الرياح "إكراما" لعائلة واحدة!!
فهل أصبحت البعثة الأممية متماهية مع مشروع تمكين "الدبيبات"؟ أم أنها تريد أن تستخدمهم لصالح أجندة أخرى؟ أم أنها قد استشعرت صعوبة المهمة في ظل الظروف الراهنة فخيّرت المشاركة في تسميم الأجواء لإقناع الناس بضآلة فرص تنظيم الاستحقاق، وتثبيت الدبيبه من خارج الشرعية الانتخابية.
بقلم : يوسف علي المرغني