لم تفق واشنطن من ذهولها بعد التحرك السريع لموسكو حول ما جرى في كزخستان فما جرى في كزخستان كان قد اصاب واشنطن بذهول لم يسبق له مثيل في البيت الابيض.
اذ كان بايدن قد وضع يديه بماء باردة وهو يحلم وان الجانب العسكري الارهابي المخفي من سياسته الخارجية سيسير كما خطط وكما امر بتنفيذه اذ بعد ان اثار موضوع اوكرانيا وحوَل اوروبا الى تابع له ترضخ لكل املاءاته ولكل وتوجيهاته وتقف صفا واحدا في معاداتها لموسكوحتى بمواقف تضر بمصالحها هي كدول اوروبية اقتصاديا وسياسيا وربما عسكريا بعد ان اثار ذلك وجعل من اكرانيا قضية القضايا بالتعاون مع اسرائيل ونقول هنا اسرائيل ليس من باب الاعلام ضد الصهيونية بل من باب ذكر الحقائق الواقعية فمعظم الذن يحكمون في اكرانيا الآن يحملون جوازات مزدوجة اي جواز اكراني وجواز اسرائيلي وهم الذين اعتمدوا على اسرائيل في كثير من الاحيان خاصة عندما اشتبك الشرق مع الغرب في اوكرانيا فوقفت اسرائيل وقوفا صلبا الى جانب الطغمة اصهيونية العنصرية الحاكمة ومدتها بالدعم والمعونة وعالجت كل جرحاها في مستشفيات تل ابيب اثار البيت الابيض موضوع اكرانيا ليجلب الدول الاوروبية مطأطأة الرأس لتسير خلف الولايات المتحدةدوم ان تثسر اي اعتراض.
وفي الحقيقة لم ياتي الاعتراض الاعندما اجتمع الروس مع الامريكيين لبحث الاستراتيجية العالمية لتثبيت السلام العالمي والحرص على توقيع اتفاقيات لمنع اي صدام قد يؤدي الى حرب عالمية عندما بدأ الحواربين وزارة الخارجية الامريكية ووزارة الخارجية الروسية وكذلك وزارة الدفاع الامريكية والروسية خرجت اصوات اوروبية تقول لا بد من مشاركتنا في هذه الاجتماعات فالامر يتصل باوروبا وامن اوروبا وامن الاوروبيين فكيف يناقش هذا الامربين الامريكيين والروس والاوروبيون اصحاب المصلحة بالامن والاستقراروالسلام غائبون عنها وقد اجبر هذا الانتقادالمهذب الذي صدر عن الفرنسيين اجبر الولايات المتحدة الى توجيه مندوبها للذهاب الى بروكسل للاجتماع مع الاوروبيين لابلاغهم عما جرى في ذلك الاجتماع في جينيف.
المهم ان نقول هنا انه بعد ان فجر بايدن بدبلوماسيته المشتعلة الموضوع الاكراني واوصل العالم الى حافة الخطرالشديد كان قد خطط في البيت الابيض واجهزة الامن الامريكيةمع وكلاء وحلفاء ومرتزقة لاثارة ما حصل في كزخستان في محاولة للسيطرة على السلطة تماما كالربيع العربي الذي جرى وفشل وقد شارك الولايات المتحدة في هذا التخطيط والتحضيروالتنفيذ السعودية بمال وفيروتركيا بمساعدات بارسال مرتزقة ماجورين للقتال واطلاق النار وكذلك مجموعات ارهابية كداعش وغيرها لقد استخدمت الولايات المتحدة كل الادوات الممكنة من اجل حشد حوالي خمسين الف مسلح في كزخستان من اجل السيطرة على السلطة في موقع تعتبره موسكوليس استراتيجيا فقط بل موقع حياة او موت بالنسبة لروسيا اذ ان كزخستان تها مساحة اكبر من كل اوروبا مجتمعة ولها حدود مع الروس تمتد اكثر من ستة آلاف وخمسمئة كيلومتر ولها حدود مع الصين تمتد آلاف الكيلومترات ايضا ولذلك فهي دولة حساسة جدا وتمس مباشرة الارض الروسية والارض الصينية وارادت واشنطن ان تحكم حصارها على روسيا لعزلها وارهابها من خلال السيطرة على كزخستان عبر هذه المجموعة الماجورة التي شارك فيها بعض رجالات الامن الكزاخستاني وبعض رجالات الجيش.
من ناحية اخرى كزخستان تشكل موقعا استراتيجيا عسكريا هاما لروسيا اذ يقع على ارض كزخستان مواقع للصواريخ الاستراتيجية النووية الروسية كخط دفاع اول عن روسيا ولها قواعد عسكرية صامتة لحماية روسيا من اي هجوم محتمل من هذا الجانب من الحدود ولها ايضا مصالح كبرى تتصل باليورانيوم ومعادن اخرى حساسة غنية بها كزخستان.
كزخستان ايضا بلد غني جدا بالنفط والغاز ومعادن كثيرة اخرى ضمن مساحة جغرافية شاسعة اكبر من كل اوروبا اذا جمعنا مساحة كل الدول الاوروبية ستبلغ اقل من مساحة كزخستان.
التحرك السريع لبوتن اذهل واشنطن فخلال ساعات كان قد قضى رئيس كزخستان وضباطه على هذه المجموعة وقيادتها وهنا لا بد ان نشير الى معلومة دقيقة وصلتنا وهي انه عندما طلب رئيس كزخستان مساعدة دول جمعية ضمان الامن الجماعي علنا كانت القوات الروسية قد وصلت الى عاصمة الدولة الكزخستانية ولكل المواقع الحساسة والتي تعتبرها موسكواستراتيجية وخطيرة ووصلت كل القوات مع ممثلين رمزيين لعدد من الدول لكن القوة الرئيسية والاساسية التي سيطرت على كل المواقع الحساسة كانت القوة الروسية فالمواقع الحساسة في كزخستان هي مواقع روسية من الالف الى الياء ذهل البيت الابيض لقد قضى بوتن خلال ساعات على كل هذه المحاولة وهزم الولايات المتحدة شر هزيمة.
لكن الامر لم يقف عند هذا الحد لا مباشرة اعلن بوتن ان هناك مناورة عسكرية بالدبابات والمشاة والرصاص الحي على حدود اوكرانيا بين قوات روسية وقوات بيلاروسيا رغم أنف الولايات المتحدة وأنف الناتو.
ومن ناحية اخرى بوتين يعلم ان الاقلية الروسية الموجودة في اوكرانيا سوف تسحق اذا ما قام حكام اوكرانيا بضمها للناتو وهذا يجعل من مسؤولية روسيا تجاه مواطنيها مسؤولية كبيرة لا بد ان تبقي عينيها مفتوحتين جدا لحماية هذه الأقلية الروسية في شرق اوكرانيا، وفي جينيف اتخذ الوفد الروسي موقفا هجوميا دفاعيا، واصرعلى ان تجيب الولايات المتحدة على مذكرة موسكو وخرجت اصوات في واشنطن وفي الكونغرس تدعو لفرض عقوبات على روسيا وشخصيات روسية ولأول مرة “هذا يدل على مدى الشعور بالخيبة والإحباط” دفع مجموعة من أعضاء الكونغرس لاقتراح فرض عقوبات على روسيا وشخصيات روسية تتضمن لأول مرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الآن، لقد بدأت روسيا في كازاخستان ما يمكن ان نسميه بحربها الهجومية الدفاعية من أجل ان تأخذ حجمها في السياسة الدولية والقرار الدولي من اجل ان يصبح حجمها بالقرار حجمها الذي يتناسب مع قوتها ونفوذها ووضعها الاقتصادي المتطور والمرتاح. مقابل ذلك يستمر بايدن في حربه المشتعلة تحت ستار الدبلوماسية ، فهو يمد القواعد في سوريا بآلاف من الجنود والدبابات والصواريخ وليطلق داعش من سجونها لدى “قسد” لتفيع مسلحة في الصحراء السورية بحثا عن أهداف لتفجيرها، ويطلب من اسرائيل ان تصعد من ضرباتها نوعيا وكميا ضد أهداف سورية بحتة كميناء اللاذقية وغيرها من الاهداف المدنية والعسكرية السورية، من ناحية اخرى شاركت تركيا في هذا الحشد والتصعيد بتحركها العسكري وشاركت قسد كذلك بهذا التحرك واستمر نهب النفط والغاز من شمال شرق سوريا. ليس هذا فقط بل زاد بايدن باتخاذ قرار ببناء مصفاة للنفط لصالح قسد في المنطقة وارسل جنودا وآليات وصواريخ للدفاع عن تلك المصالح الأمريكية. هذا قابله من ناحية أخرى تصعيد في المقاومة الشعبية السورية التي اطلقت اكثر من مرة صواريخها على قواد للأمريكيين في حقل عمر وقاعدة تنف وغيرها من المواقع، وهذا يدل على قرار سوري بتصعيد المقاومة الشعبية ودعمها حتى تصبح الاهداف الامريكية في شمال شرق سوريا اهدافا لهذه الحركة الشعبية المقاومة، ويشعر الامريكيون ان قرار الشعب السوري بطرد الامريكيين من سوريا هو قرار تنفذه المقاومة الشعبية. أما هذا الوضع في سوريا يصبح لزاما ضمنا التحرك الذي بدأ في كازاخستان واوكرانيا يصبح لزاما على موسكو ان تصعد هي الاخرى في عملية الدفاع في سوريا عن الشعب السوري كحليف استراتيجي شارك منذ البداية في الدفاع عن سيادة سوريا ووحدة اراضيها ووحدة شعبها. ولا بد ان نضع هنا ماذا نعني بذلك:
أولا من الضروري والهام ان يتحرك بوتين بالسرعة التي تحرك بها في كازاخستان امام الحشد الاميركي الكبير واطلاق داعش ومشاركة قسد ومشاركة تركيا في الهجمات على الجيش العربي السوري والشعب السوري لا بد من زيادة الدعم نوعيا للقوات السورية سواء بالطيران او الصواريخ او الصواريخ المضادة لصواريخ اسرائيل. من غير المعقول ان تبقى روسيا صامتة اما قصف اسرائيل لميناء اللاذقية الذي لا يبعد الا على مرمى حجر عن مواقع الروس على الشاطيء السوري. لا يمكن ان يكون معقولا او مقبولا ان تصمت روسيا على التصعيد الاسرائيلي الجوي الذي قصف من خلاله ميناء اللاذقية مرتين واهدافا مدنية في جنوب سوريا، وضرب في الجولان، لا يمكن ان يبقى الصمت هو سيد الموقف بل لا لروسيا من متابعة خطواتها التي شاهدناها في اوكرانيا وكازاخستان في سوريا وذلك تثبيتا لتنفيذ ما تسعى اليه موسكو وما يجب ان تسعى اليه موسكو من اقرار العالم وعلى رأسه واشنطن بدور روسيا الدولي كشريك في اتخاذ القرار الدولي بشكل موازٍ لثقل روسيا ووضعها الدولي الموازي للولايات المتحدة ان لم نقل اكبر واكثر من الولايات المتحدة.
ما هو المطلوب:
المطلوب من الرئيس بوتين ان يتحلى بنفس الشجاعة التي دفعته نحو حماية كازاخستان ومؤسساتها الاستراتيجية وكذلك لاجراء كل المناورات على الحدود الاوكرانية رغم غضب الناتو، لا بد للرئيس بوتين من ان يتخذ قرارا بان سوريا تشكل الموقع الوحيد العلني الذي يتحالف مع روسيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا لا بد من تقوية هذا الحليف بحيث يرد على كل الاعتداءات ويصعد من اجل تطهير ارضه من الغزاة خاصة من القوات الامريكية والتركية.
لقد لمس الرئيس بوتين بنفسه اكثر من مرة خداع الموقف التركي ففي كل مرة يتعهد فيها اردوغان بانسحاب من الاراضي السورية والاحتكام للاتفاقيات السابقة يتراجع ولا يقدم بل يصعد ويزيد من عدد قواته على الاراضي السورية ويستخدم اردوغان وجوده العسكري على الارض السورية لابتزاز المواقف من واشنطن وذلك بتحريك قواته ضد الاكراد بين الحين والآخر من اجل ان تراجعه الادارة الامريكية لتخفيف التصعيد مقابل ثمنا لذلك، وكان جزءا من الثمن الذي دفع لتركيا هو ترتيب زيارته لدول خليجية وتحسين علاقاته مع السعودية. ويقوم اردوغان الان بتزويد الامارات والسعودية بطائرات مسيَرة لضرب شعب اليمن مخالفا بذلك كل الاتفاقات التي كانت قد جرت بينه وبين جارته ايران التي انقذته اكثر من مرة من مآزق حقيقية.
لكن بيت القصيد هنا ليس تركيا، بيت القصيد هنا اسرائيل والنفوذ الذي تتمتع به اسرائيل في الوسط المحيط ببوتين لا بد ان يوضع له حد، اذ ان الامور بدأت تمس المصالح الروسية مباشرة تماما كما مست المصالح الروسية ازمة اوكرانيا او اكثر. ان اوكرانيا هي اسرائيل الثانية، فلماذا يتعامل بوتين مع اسرائيل الشرق الاوسط بشكل مختلف وهي التي خانت تعهداتها له اكثر مرة، وقتلت عددا كبيرا من الضباط الروس مقابل اعتذار عن خطأ ارتكب. الخطوة تبدأ بان تسقط سوريا طائرات اسرائيلية, سيحدث هذا زلزالا في واشنطن وزلزالا في تل ابيب وسيمنع بحد ذاته الاسرائيليين من ارسال طائراتهم بشكل مطمئن وواثق من عودتها سالمة. ا ن سوريا هو الموقع الذي يجب ان ينطلق منه بوتين وروسيا لتقوية وضعه ووضع روسيا في الشرق الاوسط. اذ من سوريا يستطيع ان يؤثر في لبنان والوضع في فلسطين والوضع في العراق، وهذا هو بيت القصيد الآخر.
من ناحية أخرى لا بد لروسيا من تغيير موقفها الذي تعهدت به للسعودية حول الوضع في اليمن. اذ من غير المعقول ان تبقى روسيا مؤيدة لغزو اليمن وللغارات التي تقصف الشعب اليمني يوميا. لا بد لروسيا من أخذ دورها الطبيعي المنطقي المعارض للغارات التي تقتل المدنيين ولغزو اراضي اليمن بطريقة غير مقبولة، ومناقضة لكل القوانين الدولية. لا ندعو روسيا هنا لمساندة انصار الله بل ندعوها لحماية الشعب اليمني من القتل اليومي اطفالا ونساءً وتدمير مؤسساتها ومطاراتها وموانئها ومستشفياتها ومدارسها، اذ من غير المقبول ان تبقى موسكو صامتة امام هذه الجرائم في الوقت الذي تتصدى فيه للجرائم في مواقع اخرى. ان موقف روسيا لا يمكن باي شكل من الاشكال ان يبقى موازيا للموقف الاميريكي لما يحصل في اليمن، كذل لا بد من تصعيد الموقف السياسي الروسي تجاه الحقوق الفلسطينية، اذ من غير المقبول ان تبقى روسيا وبوتين صامتين على الجرائم التي ترتكب يوميا ضد الشعب الفلسطيني اطفالا ورجالا ونساءً، وسيطرة اسرائيل على الاراضي ونهبها، وسيطرتها على الاملاك وطرد العائلات من بيوتها. كيف يمكن للرئيس بوتين ان يصمت على هذه الجرائم، ان عدم الصمت والتحدث بصوت حازم وحاسم حول هذه الجرائم ووقوفه ضدها سيلعب دورا كبيرا في تصعيد الدور الروسي في الشرق الاوسط وفي جعل روسيا تكسب محبة الجماهير العربية وتأييدها على نقيض ما يحصل بالنسبة للولايات المتحدة والدول الاوروبية.
ترى هل يقوم بوتين بذلك؟
ان هذه الخطوات مطلوبة ليس من اجل مصالح شعوب المنطقة فقط. هذه الخطوات هي خطوات ضرورية لتكريس ما بدأ بتكريسه بوتين في اوكرانيا وفي كازاخستان. وننبه ان عدم الاستمرار بنفس النهج في الشرق الاوسط سوف يذهب نتائج التحركات في المناطق الاخرى هدرا بدون ان تحقق الهدف الاستراتيجي وهو عدم بقاء قرار العالم الدولي قرارا تتخذه واشنطن وحدها فقط.
اذا كانت واشنطن تحاول الحفاظ على انفرادها بالتحكم بالعالم، استنادا لقوتها والقوة التي تزود بها حلفاءها ، فمن الضروري ان تتصدى روسيا لهذا النهج وذلك بتزويد الدول والحركات المناهضة لهذا المسلك بالأسلحة الدفاعية ذات الوزن والقوة الدفاعية الموازية … المثل الأبرز يبرز الآن في الشرق الأوسط وتحديدا تزويد سوريا بهذه الأسلحة وهذا سيسرع في تعديل ميزان القوى لصالح عدم انفراد واشنطن بالقرار العالمي.
بسام ابو شريف
كاتب وسياسي فلسطيني