منذ اتضاح جزئيات التعاون الأميركي مع قوات سورية الديمقراطية «ميليشيا قسد» في الشمال الشرقي من سورية، باتت واضحة آلية التعاون التي يتخذونها، للتمكين لكلا الطرفين من تحقيق غاياته، وكانت محاربة تنظيم داعش ضمن مبرّرات الاتحاد بين السيد والعبد، وذلك ما يتطلبه الظهور لماهية هذه العلاقة، أمام المجتمع الدولي على أساس أنّ كِلا الطرفين حسن النية، لجهة المقاربة التي تمّت بين دولة عظمة ألا وهي الولايات المتحدة، وبين مجموعة مُنشقة تدّعي أنها تمتلك جزءاً من الشمال السوري، تحت بند «الخصوصية الكردية»، التي هي بالنسبة للدولة السورية قائمة، وهي من المكونات الأساسية للنسيج السوري، لكن الذرائع الواهية لا بدّ منها لتقدمتها لبعضهم البعض.
ومنذ أن بدأ العراق بمحاربة عناصر تنظيم داعش، ومع بدء الفشل الأميركي حيال إمكانية تحقيق المبتغى، من إقامة دولة إسلامية في الشرق الأوسط، وعلى لسان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، التي قالت عبر مقطع فيديو نشره موقع «غلوبال ريستريش» عام 2016، «أن أميركا هي التي صنعت تنظيم القاعدة «داعش» وموّلته عندما كانت الحرب السوفياتية الأفغانية في أوْجها»، ونقل الموقع عن هيلاري كلينتون قولها «إنّ الذين نحاربهم الآن هم من قمنا بتمويلهم منذ 20 عاماً»، مضيفة: «دعنا نستخدم هؤلاء المجاهدين، الذين أتينا بهم من أماكن عدة وعلى رأسها السعودية، لهزيمة الاتحاد السوفياتي».
وبالتالي هناك عدة نقاط لا بد من الإضاءة عليها، لفهم جوهر الاستراتيجية الأميركية، وتوظيف ذلك في سياق سياساتها، بُغية التضييق على منافسيها الاستراتيجيين:
أولاً: التنافس الدولي على زعامة العالم، ما بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، قائم ولم ينته، خاصة مع التقدم على جميع المستويات بالنسبة لروسيا، رغم تفكيك الاتحاد السوفياتي.
ثانياً: التوجه نحو غرب آسيا بعد استكمال السيطرة على وسط آسيا، والذي لم يتكلل بعد بالنهايات السعيدة لواشنطن، بسبب الحنكة السياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الحفاظ على علاقات ديبلوماسية خارجية قوية مع أفغانستان وباكستان وكازاخستان.
ثالثاً: كان لا بدّ من التواجد في العراق لاستكمال الدائرة الأميركية حول العالم، لفرض منطقة خاصة لم يتمكنوا من تحقيقها على أرض الواقع، بسبب مقاومة الشعوب الحرة في مصر وسورية، وفشل تحقيق الحلم الغربي الأميركي خاصة.
رابعاً: الانتقال من سياسة فرض الأمر الواقع، إلى سياسة التمويه السياسي الأميركي، لجرّ المنطقة إلى نزاعات جيوسياسبة عبر إقحام ما يُسمّى الإسلام السياسي في المعركة، وقد نجحت إلى حدّ ما.
وبالتالي، وضمن سلسلة المخطط الأميركي، بات واضحاً ومفهوماً ما يحدث في الشمال الشرقي من سورية، والذي لا يبتعد عن كونه محاولة من واشنطن لإعادة زعزعة المنطقة، وتفجير الوضع في العراق وسورية، وهذا ليس بجديد، فقد شهد العراق منذ 2003 وسورية منذ 2011، ما يُمكن تسميته، بتوظيف الإرهاب واستثماره سياسياً وعسكرياً، وبالتالي تريد واشنطن إعادة انتشار ظاهرة داعش، كمسمّى للتداول عالمياً ودولياً، واستغلال هشاشة الأوضاع السياسية في المناطق المتأزمة، لإشغالها كما في الشمال السوري، لتبرز واشنطن على أنها القوة الوحيدة القادرة على إحلال السلام في المناطق المتنازعة، فضلاً عن المساعي الأميركية، لجهة ضرب المبادرات الروسية والسورية، المتعلقة بشمال شرق سورية.
ربى يوسف شاهين