"كرة القدم هي التي حققت المعجزة، (..) ما هذا الجنون الساحر، القادر على إعلان هدنة من أجل المتعة البريئة؟ (..) الجنون الذي يعطل الخوف ساعة ونصف الساعة، ويسري في الجسد والنفس كما لا تسري حماسة الشعر والنبيذ واللقاء الاول مع امرأة مجهولة".
محمود درويش
تابع العالم بحرقة عابرة : دموع صلاح وغصة أبو جبل، وحزن خالد و أهل شنقيط المنساب شعرا كفكف رشح أسى وجه الأمة؛
بعرق الأناقة وريق المراوغة، ونفس المتعة، زحلقت مصر على مدى أربع مائة وثمانين دقيقة أربعة أمم تتقاسم ريادة الركض على نجيلات القارة، لتحرز التتويج الثامن بحب الجماهير واحترام الأمم، بعد حيازة أبطال القارة سبعة كؤوس إفريقية، لتفوز مجموعة محمد صلاح بشرف اللحاق بالجيل الذهبي للكرة المستديرة بعد حصاد الظفر، مصالحا أصحاب الهمم مع شغف المصريين بكرة القدم التي لمع نجومها على ملاعب الكامرون في مشهد أسطوري بروح قتالية عالية وأسلوب جذاب وممتع أحيى ذكرى إحباط وإذلال عمالقة القارة، وندية قوة البرازيل الضاربة في مناجاة صادقة ومقنعة للقلوب.
بنضارة بطولية سددت المعارك فأصابت مرمى الامبريالية محطمة أغلال الاستعمار أولا، لتواصل خارج مسير التسلل صرع "الآبرتايد" ملتفة بجمال ساحر على تمثيل القارة بمفردات الرفض في نصوص الاحتفاء بحضارة فيها من مصر ما يكفي لتحييد رجال المستعمر ووكلائه من منابر انتحال مقام وصوت شعوب القارة السمراء.
مضى الحول السادس بعد العقود الستة على انتزاع مصر من عيون " فيفا" الزرقاء ودميتها الفخمة الشقراء ، اعتماد حلم القارة بتنظيم كأس الأمم في نسخته الأولى، ثلاثة أعوام قبل وجود بطولة الأمم الأوربية، لتباشر دورها الحاسم في إنهاء الاستعمار والذود عن سيادة أمم إفريقيا، وفرض أول تنظيم قاري لكرة القدم في موطنه الأصلي بالقاهرة لانتزاع احترام العالم لفنون وهموم القارة.
نالت مصر شرف المبادرة وحصدت أول لقب في تاريخ كأس الأمم الإفريقية وأحرزت نجاحا تاريخيا بالفوز بسبعة ألقاب من بينها ثلاث انتصارات متتالية مع تنظيم خمس استضافات للبطولة و التأهل لخمسة وعشرين مشاركة بحصانة فنية ضد الهزيمة على مدى أربعة وعشرين مبارات متواصلة، مهدت لمجد صنع تاريخ انتصارات القارة، يستعصي اللحاق بهامشه.
كانت كرة القدم ولا تزال الفن النخبوي الأكثر متابعة وتأثيرا في حياة شعوب القارة كقوة سياسية انتصرت للقضية الفلسطينية وحاربت الاستعمار، قهرت الميز العنصري وتواصل لفت أنظار العالم حول مواطن الخلل ومظاهر الغبن والتهميش.
عبد الله حرمة الله