"تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية. يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي"
المادة الأولى من الباب الأول من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
لا زالت FLAM مصرة على رفع السلاح ضد الشعب والدولة في موريتانيا، حيث "تتمسك بالحق في اللجوء إلى الكفاح المسلح إذا دعت الضرورة إلى ذلك"، كما تضمن جرد آليات نضالها على واجهة بوابتها الإلكترونية.
يعتبر القانون العنف وتقنيات التحريض على الكراهية مجرد أفعال إجرامية تسلبها النصوص والمساطر شرعية التعاطي مع الشأن العام وتبني هموم وانشغالات المجموعة الوطنية ذات المصير المشترك.
تنادت نهاية ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن العشرين نخب الأقليات وزعاماتها التقليدية لعقد اجتماعات موسعة في العاصمة نواكشوط، أعلنت خلالها رفض محاولة استغلال FLAM لمشاعر الأهالي في "نضالهم السياسي"، الذي لا يمثل بالضروره انشغالاتهم ولا حتى طموحاتهم، خصوصا الحديث عن " الإبادة الجماعية" لتوصيف ما اعتبروه " إرثا إنسانيا" للدولة الموريتانية، تتحمل مسؤولية تسويته، ورفض محاولات تحميل المكونات الأخرى خصوصا العربية المسؤولية والدعوة للانتقام من جميع أفرادها دون استثناء، مؤكدين أن سلامة المواطنين وتأمين ممتلكاتهم من مهام الدولة وأي دعوى خارج هذا الإطار تعتبر تحريضا على الفتنة واستهدافا للسلم المدني.
جابت نخب ووجهاء "الفلان" و"الهلبولار"، ولايات الوطن ومنابر ومنتديات أوروبا وأمريكا وإفريقيا، دفاعا عن صورة ومصالح الدولة الوطنية وتصدت بقناعة لخطاب FLAM، معبرة عن تمسكها باستقلالية موريتانيا في القرار ووحدة أراضيها، حيث تمكنت من وأد محاولات التدويل، ببسالة منقطعة النظير، لتجعل FLAM منها " العدو الأول" و " الخصم المباشر "، الذي ينبغي تحييده من المشهد.
في منشور "توضيحي" حمل توقيع الناطق باسم FLAM في العاشر من دجمبر 2020، اعتبرت الأغلبية العظمى من مواطني الأقليات، بصفة قدحية مجرد "زنوج الخدمة"، وربطت التخوين بالولاء للوطن، "كل السود من المدنيين والعسكريين المتعاونين مع الدولة المتحمسين للدفاع عنها". اعترفت كذلك FLAM بوقوف نخب الأقليات في الخط الأمامي للتصدي لخطابهم وطرحهم في الداخل والخارج، " يشكل زنوج الخدمة خصومنا الرئيسيين في المؤتمرات الدولية حول حقوق الإنسان (..) في جنيف ودربان ودكار وبانجول وبروكسل ونيويورك؛"، مؤكدة استمرارهم في الاطلاع بنفس الأدوار، "يواصلون، حتى اليوم نفس العمل القذر؛ لن نتوقف عن فضحهم في حربنا الإعلامية".
تواصل FLAM خطاب العنف الرمزي اتجاه الأقليات، الرافضة حديثها باسمهم، " يعتبر الخونة السود أكثر خطرا من الكوفيد 19". يدخل في تصنيف "زنوج الخدمة"، المعتمد في نشر قيادات وناشطي FLAM، "كل السود في موريتانيا الذين قرروا بمحض إرادتهم مرافقة العرب في موريتانيا".
وتتجاوز مستوى الخصومة لتعلن العداء لكافة أفراد مجموعتها دون استثناء، "يؤدي زنوج الخدمة دورا خبيثا في مواجهتنا (..) يهرعون إلى العواصم الغربية لتسفيه خطابنا"، يزداد القلق حيال المواجهات المفتوحة معهم، " ينبغي اتخاذ الحيطة والحذر من زنوج الخدمة المتواجدين في كل مكان : وجهاء، وزراء، سفراء، مدراء، ضباط، طلاب، عاطلون عن العمل، مغتربون، سائقون؛". ويصل العداء حد اتهامهم، " شارك زنوج الخدمة بشكل نشط وفعال في ترحيل السود إلى السنغال بحجة أنهم يحملون جنسية مشبوهة ".
يعكس مستوى العنف اللفظي واقع الهروب إلى الأمام و رفض النقاش وغياب الحجج لدى FLAM في مواجهة المكون الذي تنحدر منه قياداتها، حيث تسعى من خلال إلصاق تهم "زنجي الخدمة" إلى خلق هوة بين المجتمع ونخبه، وتخوينه لمجرد خدمته لبلده وتمسكه بانتماء سياسي وطني ونبذه للأجندات الخارجية والتطرف الذي ينتحل أصحابه مراتب النضال الديمقراطي.
تناولت الباحثة الفرنسية Marion Fresia في العدد 114 من دورية Politique Africaine ، وفي إصدارات أخرى عن موريتانيا، بالكثير من التفصيل، تقنيات صناعة الخطاب العنصري والتحريض ضد اللحمة الوطنية على مدى عقود متواصلة من طرف FLAM في أوساط اللاجئين، خصوصا المنمين الفلان.
أكدت الباحثة الفرنسية بعد إجراء تحقيقات ميدانية دامت عدة سنوات، على أن " أوساط اللاجئين عرفت حضورا دائما وقويا لنشطاء FLAM ، سرع من تسييس هذه المساحات الإنسانية"، حيث "نصب أعضاؤها الأكثر نشاطا أنفسهم كمتحدثين باسم اللاجئين وتولو قيادة اللجان المسؤولة عن إدارة المساعدات الإنسانية". مع السيطرة التامة على جميع مظاهر الحياة الاقتصادية وربطها بالتعبئة السياسيةالدائمة، "لقد عملوا أيضا كـرواد أعمال من خلال تقديم الخدمات المعوضة للمنمين من الفلان، وتلقينهم كذلك تفسيرا عرقيا للتعايش في موريتانيا يتلخص في اضطهاد السود من طرف العرب المتسلطين".
كشفت أعمال الباحثة عن سعي FLAM إلى "تشييد مجتمع متخيل حول صورة الموريتاني الزنجي المضطهد لتجنيد المنمين الفلان المتحررين من الروابط العرقية الضيقة و الذين يعتبرون أنفسهم أقرب إلى ثقافة العرب الرحل من ثقافة المزارعين من سكان الحواضر المرتبطين بعلاقات مشبوهة مع السلطة".
كردة فعل عفوية وتلقائية على محاولات التجنيد العرقي، " فضل بعض اللاجئين الاندماج في المجتمع السنغالي".
من بين ماوثقت بحوث الجامعية الفرنسية اساليب الشحن السياسي حيث، "ركزت FLAM خلال التأطير الحركي للشباب على البعد العرقي واستدرار المشاعر العنصرية اتجاه روابط الهوية داخل المجتمع الموريتاني، التي أطلقتها منذ فترة طويلة لتتسارع وتيرتها في صفوف اللاجئين بالسنغال، والتي كانت مصيرية في التحكم في علاقاتهم البينية و مع بقية المكونات الوطنية"، استمر الخطاب الموجه، ليتسنى،
" اختزال واقع التعايش في فظاظة الذاكرة الدموية في مواجهة دائمة بين العرب المتسلطين والسود المضطهدين وحقنها لعقول وقلوب الأجيال الشابة التي ولدت خارج البلاد، لتتفتق خطابات أكثر عنفا من خطابات آبائهم حيث يعتبرون وبصفة طوعية جميع العرب مجرد سفاحين ومحترفي الإبادة الجماعية"
كتجسيد لنتائج العملية برمتها، أشفعت الباحثة أعمالها بشهادة حية للشباب الذي طاله تأطير FLAM السياسي، "يبدو واضحا للعيان الاعتماد التلقائي للصور النمطية المسقطة على أفراد المكون العربي : البيظان لا يحبون السود ، إنهم مجرد عنصريين، يعاملون جميع السود مثل العبيد...".
وعن خطورة أسلوب FLAM في شحن نشطائها ضد وحدة الشعب وكيان الدولة، توقفت الجامعية الفرنسية عند، "تحريضهم ضد الدولة الموريتانية بصفة عامة، وضد البيظان (..) في حين يعتبرون الحراطين مجرد خونة، ويحكمون عليهم بقسوة تفوق حقدهم على البيظان والدولة".
من أبرز ردود الفعل العفوية التي سجلت دراسات الباحثة: "واجهت FLAM معارضة تلقائية شرسة داخل أوساط اللاجئين، حيث اتهم قادتها في أكثر من مناسبة بالسيطرة على المساعدات الإنسانية واستغلال الأغلبية الأمية من الفلان لمصلحتهم". نال التوجه الجديد دعما كبيرا، "حظي هذا الخطاب بتأييد بعض المنمين وأيقظ الخلافات القديمة بين مكونات نفس المجموعة، المنمين الفلان (فولبي)، الذين تنعتهم القوالب النمطية المحلية بالجهل بفعل السيطرة السياسية منذ نهاية القرن الثامن عشر ، من طرف سكان الحضر (توروبي) كنخبة متعلمة تحتكر التمثيل السياسي على المستوى المحلي".
تفرغت الباحثة الفرنسية Marion Fresia على مدى سنوات لإعداد دراسات انتروبوليجية وسياسية حول الهالبولار في موريتانيا وعملت في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كخبيرة. تحدثت لاحقا، أوساط أمنية في دكار وباريس عن دورها كعضو نشط في FLAM، في ربيعها التاسع عشر، بعد عدة لقاءات مع قياديين من بينهم رئيسها، خريف 1998 في دكار، اعتبرتها مرجعية بالنسبة لها" غذت حياتي (..)هي جزء مني ومن شخصيتي"،حيث كانت آنذاك ترتبط بتعاون مهني مع صحيفة Sud Quotidien السنغالية.
أوفدت FLAM خصيصا القيادي إبراهيما صال لحضور نقاش أطروحة Marion Fresia في السادس والعشرين مارس 2005 بمدينة مرسيليا الفرنسية.
أمام نفور حصان التقبل والعزلة الإديولوجية لخطاب FLAM على مستوى نخب الأقليات في موريتانيا، لجأت لمربط مثقفي المنطقة السابحين على هامش مجتمعاتهم الأصلية، ليستظل خطابها بضفائر Jean Pierre N'DIAYE الغارق في بحر عزلته بالسنغال، بعد ما سلبه المسخ حالته المدنية، ليلفظ أنفاس الحقد المجرد على كرامة و حضارة و تاريخ بلد جار، لا يعرف موقعه على الخريطة، صعودا على سلالم الابتزاز نحو سماء التشهير؛ مغازلة لعطف نخب الاستعمار عبر صفحات الباريسية Jeune Afrique، مع تحييد التلقائية وبراءة الذمة من تقنيات المغالطة باختيار العاشر من دجمبر 1986، في هجاء ثمل للحضارة الإسلامية المسؤولة عن مآسي شعوب القارة، ممثلة في " الدين الوافد من الشمال" الذي نفذ بإتقان مؤامرة " تهجير السود"، و "أسلمتهم لطمس هويتهم الثقافية وفرض بنية مجتمع تيوقراطي قائم على النخاسة ودمج الزنوج بعد فصلهم عن جذورهم وتسخيرهم لتوطين حضارة النهب والسلب البدوية"
وبعدوانية مجانية، وصف دخول الإسلام إلى إفريقيا "الوقوع في الرذيلة"، في حسرة نشاز على مصير الشعوب بعد أن ، "فرضت عليهم الجهالة وواقع الظلامية المرعبة عبر هيمنة الدين الجديد على جميع مناحي حياتهم"، معتبرا المأساة الحقيقية التي وقعت فيها موريتانيا، "الاحتكار الحصري والمتغطرس للبلاد ومصيرها من طرف العرب، وسيادة الإسلام"، مشددا على أولوية التحرر : "آن الأوان لاستعادة الزنجية طقوس وثنية الأجداد"، معتبرا "الأخذ بالثقافة العربية تملص من مصير السود".
قال رئيس FLAM، في وثيقة تضمنت نظرته للوحدة الوطنية، "لدي تحفظات قوية" حول اعتبار الإسلام عاملا لوحدة الموريتانيين، وأضاف في نفس المنشور الصادر دجمبر 2014، " أرفض هذا الحل في ضوء التجارب التاريخية التي أثبتت أن العامل المحدد للتعايش السلمي لم يكن العامل الديني، بل العامل الإثني". واعتبر مؤخرا خلال تلبيته لدعوة على العشاء في مقر حزب " تواصل"، أكتوبر 2021، " القول بدور الإسلام في وحدتنا حجة ضعيفة، لأنه ليس كافيا إطلاقا، بل وحده العامل الإثني المحدد والضامن للوحدة وينبغي أخذه بعين الإعتبار "
شكلت FLAM قطيعة مع التوجه السياسي والخصوصية الثقافية والطرح الوطني الذي طبع النشاط السياسي لنخب البلد بصفة عامة والأقليات بصفة خاصة، بتبني نزعة عرقية راجت بغرب إفريقيا أساسا، منتصف سبعينيات القرن الماضي بالتأكيد على إرث ثقافي مشترك، وهوية “زنجية وثنية”، تستخدم لغة المستعمر لتأكيد الانتماء العرقي، كسيف مشهور في وجه الأقليات والمهاجرين ودول الجوار التي تعود إليها أصولهم، معتبرين الإسلام واللغة العربية عائقا أمام وحدة القارة الإفريقية كما يتصورونها على أساس عرقي وثني خالص.
تعود جذور هذا التيار الذي راج إبان الستينات من نفس القرن على يد مثقفين درسوا في جامعات الغرب الاستعماري، إلى " الزنوجية"، التي صاغها شاعر جزر الهند الغربية “إيمي سيزار” عام 1939، ولاقت تجاوبا كبيرا بين أوساط النخبة الإفريقية، ذات الثقافة الفرنسية، رغم أنها في الأساس لم تكن موجهة ضد أعراق غير سوداء في إفريقيا أو غيرها بقد رما كانت تعبيرا عن انتماء ثقافي وتشبث بتراث يتيح الخروج من تصنيف فلسفة القرن التاسع عشر في أوروبا السود خارج التداول الحضاري والاستعانة بنظريات عنصرية تحاول الاستنجاد بالخصائص البيولوجية لتبرير دونية الرجل الأسود.
أفرغ التيار الفكري من نزعته الجمالية وشحن بإيديولوجيا فتاكة، بعد تبنيه من طرف الساسة الباحثين عن انسجام الوحدة الثقافية، حيث استغلت “الزنجية” مطية لإثارة أحقاد ليس ضد عرب وبربر الشمال فحسب، بل ضد وحدة إفريقيا وتجانس شعوبها.