الحنين جزء من التكوين النفسي للبشر.. يحنون إلى الماضي الذي يرونه جميلا غالبا.. يحنون إلى المرابع في الفصول الممرعة، وهي على الأبواب ولله الحمد…
غير أن للأيديولوجيين حنينا من نوع خاص؛ حنين إلى الشعارات التي أسقطها البراكسس، وأجهزت عليها التهدئة.. حنين ترجمه رئيس حزب اتحاد قوى التقدم في لغة تمت رسكلتها لتلائم الوضع القائم لمعارضة لم تفقد شيئا إذ الفقد يفترض ملكية… لا يطالب رئيس اتحاد قوى التقدم، أو ما بقي منه، برحيل النظام، فلم يعد ذلك شعاره وإن ظل دثارا كنى عنه بالانزياح، والخروج!!!
لقد أدرك رئيس الحزب أهمية هدوء اللغة في مأمورية التهدئة؛ فالإنزياح والخروج يحيلان، من طرف خفي، إلى الرحيل لكنهما يتجنبان شحنته الربيعية المشبعة بالعنف.. فهتاف إرحل! الذي يحن إليه رئيس الحزب، فقد جاذبيته بعد الثلاثين من يونيو، والخامس والعشرين من يوليو… وسيكون ثقيلا على حناجر المليونية هتاف إنزح! أخرج! لذلك لم يفكر الرئيس في الشعارين هتافا في الشوارع والميادين، وإنما تهجاهما همسا في قاعة مغلقة وعلى صفحة موقع ألكتروني.
يخلص رئيس قوى التقدم إلى أن “الوضعية مازالت كما كانت.” فلمَ الحنين! ويصل رئيس الحزب إلى “مرجل القصيد”، ما يذكر ببيان سابق طالب فيه ب”زين الشرك”، فاختزل بذلك تنظير الحزب اليساري في هموم البطن، وآداب الأكل دون تحديد لطبيعة الماكول…
كلما أوغل رئيس الحزب في المقابلة شطح به الحنين بعيدا في شعاراته النضالية..”ومنها مظالم الأقليات الزنجية المطروحة منذ ثلاثين سنة…” ونسي الرئيس أن حزبه ضاق ذرعا بهذه الأقليات فانزاحت، أو خرجت من الحزب متظلمة مما تسميه العنصرية والقبلية التي سيطرت على الحزب… كان أجدر بالرئيس رد ظلامة الرفيقة كادياتا ورفاقها، والتعاون معهم لرفع مظالم غيرهم…
بعد تفكك جبهة الصمود والتصدي لم يعد الإعلام “ الحر” يطيق لغة العنف، والمواقف الجذرية.. فأصبحت المقاومة ممانعة، والمقاتل المسلح، ناشطا سياسيا LGBT، وانقلبت اللآت الثلاث نعم، نعم، نعم، بعد تغيير صيغة التشهد، وإعادة قراءة الفاتحة "مقاصديا"؛ فلا مغضوب عليهم ولا ضالين… في هذه الأجواء الهادئة الرزينة يصلح “انزياح الخريف” حنينا لذكرى “رحيل الربيع”، مجرد ذكرى… والتشاور يغني عن الحوار.. وظلامة كادياتا اختزالا لكل ما تعرضت له الأقليات عبر العصور.. ولم يعد التنظير اليساري يريد تغيير العالم، وإنما يكتفي ب”زين الشرك” في برنامج الغذاء العالمي.
د. اسحاق الكنتي