لاشك أننا في موريتانيا نعاني للأسف من نقص شديد في الوعي و الإيمان بمفهوم الدولة والقانون والوطن الخ وهذا الموضوع متشعب جدا فمنه ماهو تاريخي ومنه ماهو اجتماعي ومنه ما هو حديث بدأ مع بداية المسلسل ( الديمقاراطي )
منه ماهو تاريخي لأن مقدمات الدولة الوطنية عند الإستقلال كانت خاطأة وطرحت على اسس قبلية وجهوية وشرائحية فأعطت نتائج من نفس المقدمات ؟؟
ومنه ماهو اجتماعي يعود إلى الطبيعة البدوية العربية والأعرابية لأغلب المجتمع الموريتاني وخصوصا البيظان بشقيهم الابيض والأسمر ؟فقد كنت يوم أمس أقر مصطلح ( دولة) في القاموس المحيط فإذا هي الدولة كشعب وإقليم وسيادة وحكومة لم ترد في القرءان اصلا ولا في القواميس العربية بهذا المعنى الدستوري للدولة بل أتت من باب تقلب الأحوال وتداول الشيئ ؟؟ ( كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم ) احتكار القلة للمال.
( وتلك الأيام نداولها بين الناس ).
ويرجع البعض غياب مفهوم الدولة في القرءان والقواميس العربية إلى أن قبائل الجزيرة العربية التي نزل القرءان بلغتها لم تعرف الدولة أصلا قبل الإسلام وإنما عرفت مشيخات ونحوها ؟لماذا لأن العربي بطبعه البدوي ينفر من النظام والحد من حريته كما تفرض ذالك الدولة وقوانينها ؟؟!!
حتى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كلمته المشهورة بعد ان رفع بعض الإجراءات التأديبية التي كان الصديق رضي الله عنه قد فرضها على القبائل التي شاركت في حروب الردة فقال...( لا ملك على عربي ).!!
من هنا ندرك الاسباب النفسية والإجتماعية التي تشكل جذور الرفض الشعبي الموريتاني لمفهوم الدولة والنظام والإنضباط واحترام القانون والخضوع للقواعد العامة ؟؟
إنها البداوة الأعرابية لذالك ظلت الحكومات الموريتانية المتعاقبة عاجزة عن تمدين وترويض هذا البدوي الموريتاني وجعله ينصاع للحياة المدنية بما تفرضه من نظام وانضباط واحترام القانون وسيادة الدولة!!!.
تلمس مظاهر البداوة بادية في كل جوانب حياتنا العامة والخاصة .؟ في بيوتنا ولغة التخاطب اليومي بيننا ذات النبرة الصوتية البدوية الحادة والمرتفعه؟!!
في تخطيط مدننا ومخططاتنا العمرانية ؟ عبر السطو على الشوارع والساحات العامة ؟؟؟
في تجارتنا وطريقة عرض بضائنا في الشوارع لدرجة غلق الشارع وعدم ترك اي مسافة أمان إذا وقع حريق او تدخلت سيارة شرطة أو إسعاف ؟!!
وتلمس البداوة في حركة المرور في مدننا الكبرى والطريقة الفوضوية البدوية التي نسوق بها سياراتنا !
وتلمسه في المواطلات والنقل الجوي ورحلاتنا الخارجية والداخلية ؟؟وتلمس البداوة في طريقة دخولنا للمكاتب والإدارات والمتاجر الكبرى ومايطبعها من فوضى وعدم انضباط وعدم التقيد بالأرقام والطابور !!!بل وحتى في المساجد والتوقيت الموحد لمدينة انواكشوط وضواحيها تلمس الفوضى فكل له وقته الخاص ؟؟!!! واحد يقول لك تسحروا ياعباد الله فإن في السحور بركة .. والآخر يقول الصلاة خير من النوم وثالث يصلي الصبح ؟؟!!!
وتلمس البداوة في الطريقة الفوضوية التي ندخل بها المساجد ونخرج منها كما لوكنا في سباق ؟!!!
وتلمس هذه البداوة في السيا سة والترحال السياسي ومحاولة كل أسرة ان يكون لها نائب وعمدة ورئيس مجلس جهوي ومدينة خاصة بها وعدم أنضباط الطبقة السياسية في الاطر الحزبية التي اختارتها بل إن الإنتماء الحقيقي هو للذات الفردية والعائلية والقبلية اما الأحزاب فهي مشاريع ووسائل يعبر من خلالها عن الإنتماء الفردي البدوي !!!!!!
هذه هي حقيقتنا البدوية ؟
أما عن السبب الحديث لعدم الإمان بمفهوم الدولة .فيرجع من وجهة نظري إلى بداية المسلسل الديمقراطي أو التعددي حيث تم احياء القبلية السياسية وممارسة الديمقراطية في الإطار القبلي لا في الأطر الحزبية كما يجب لذالك نقص الوعي بأهمية الدولة لصالح الوعي الشوفيني القبلي الذي اصبح ينازع الدولة سلطتها وسيادتها بفعل مايلقاه من الدعم الرسمي ؟!!
وتمت كذالك تنمية الروح المادية على حساب القيم فقد عرفها المجتمع الموريتاني في أواخر عهد ولد الطائع عند ما أصبح المال قيمة اجتماعية على اساسه تتحدد قيمة الفرد في المجتمع ؟
واستفحل هذا الأمر إلى درجة بتنا فيها ندار بالعقلية المافيوية وتفكير العصابات في عهد محمد ولد عبد العزيز الذي شهد العمل من أجل انهيار المنظومة القيمية للمجتمع كي تسهل السيطرة عليه وهي نظرية معروفة عند بعض الدكتاتوريات تتبعها من أجل السيطرة على المجتمع وتحويله إلى قطيع لايفكر إلا في الاكل والشرب والغرائز بعيدا عن القيم والأخلاق والمبادئ؟؟.!!
سيدي الخير ولد الناتي