حين قصفت بارجة أمريكية من حيث تقبع في مياه البحر المتوسط باب العزيزية، ومواقع الدفاع الجوي الليبية، بصواريخ كروز الإستراتيجية، ليلة العشرين من مارس 2011، لم تكن أميركا التي أصدر رئيسها الديمقراطي جداً باراك أوباما، بتحريض من وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون، أمره العملياتي الأول، بالشروع في عملية القتل المباشر للمرحوم معمر القذافي، والتدمير الممنهج تحت شعار الفوضى الخلاّقة، للنظام الليبي والدولة الليبية، تحرص كما كذبت وكذب مجلس الأمن الدولي، ودول تحالف الغزو الهمجي، على حماية المدنيين الليبيين من بطش وطغيان النظام، وإلاّ لكانت استمرت في توفير تلك الحماية الإنسانية للشعب الليبي البائس، منذ ليلة الصواريخ الكروزية تلك، وطيلة 146 شهراً، حتى ليالي الترويع الماضية للمدنيين الأبرياء العزّل في العجيلات والزاوية وزوارة، لكنها والعالم الظالم معها لم تفعل ولن تفعل.
لم يكن معمر القذافي رحمه الله حين صدر قرار قتله وإسقاط نظامه في ربيع 2011، على عداء مع أميركا والغرب، مثلما كان الأمر عليه في الثلث الأخير من القرن العشرين، فقد سلّم لأميركا ملفات ومرافق وأسرار مشروعه لامتلاك السلاحين الذري والكيماوي، ورفعت أميركا لــيـبـيــا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وأعادت علاقاتها الدبلوماسية الكاملة معها، وفتحت سفارتها في طرابلس، واستقبلت خارجيتها ومخابراتها نجليه سيف الإسلام والمعتصم بالله، وسمحت له بزيارة نيويورك، وإلقاء خطابه الطويل الشهير الأول والأخير، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريف 2009، واستقبله رؤساء دول أوروبا التي رضي معمر القذافي بزيارتها، وزاره معظمهم من ساركوزي حتى بوتين، وصافحه أوباما في مؤتمر العشرين حين شارك فيه كرئيس للإتحاد الأفريقي، وشاركت أوروبا بمستويات تمثيل عالية في القمة الأفريقية الأوربية بطرابلس في نوفمبر 2010، وكان كل شيء بين النظام وقيادته وبين أميركا وأوروبا والخليج سمن على عسل كما يقول المثل، فلماذا هذا الإنقلاب الكبير الذي لم يتوقعه معمر القذافي، ولم يحسب له حساباً، ولم يشعر به قبل حدوثه ولم يستعد له، وذلك كان فشله الكبير، الذي كتب بدمه في خريف 2011 وفي سرت المهد والمقتل.. المصير الأخير.
هل كان إسقاط نظام معمر القذافي ثم قتله، عقاب أميركا وبريطانيا المتأخر أربعين عاماً وعام، على طرده ورفاقه الثوار لقواعدهما العسكرية شرق لــيـبـيــا وغربها؟.
ذلك هو السؤال الذي يفرض نفسه اليوم 11 يونيو 2023، الذي يصادف الذكرى الثالثة والخمسين للإجلاء.
وأياً يكن الجواب، فإن الحقيقة الفاضحة التي لا ينكرها سوى جاهل أو مكابر أو خائن، وما أكثرهم في يومنا الحزين هذا، في هذا الوطن العليل وهذا الشعب الذليل، أنّ لــيـبـيــا اليوم لم تعد على الإطلاق، دولةً، ولا مستقلة، بل هي بلدٌ مُحتل احتلالاً عسكرياً مباشراً وغير مباشر من عدة دول، وكل مقومات السيادة الوطنية صارت هَــبــاء، وكل هذا الضجيج الصادر حول وعن الدولة والمجالس والحكومات والإنتخابات، هو وحق الله هُراء.
وما قوانين ستات بوزنيقة (أقصد 6 البرلمانية + 6 المؤتمرية) عنكم ببعيد، وقد تم تلغيمها بأطنان المتفجرات، وتقديمها كذباً على أنها سبيل الخروج مما فات من أزمات، والدخول إلى ما هو آت من حلول نهائية بالإنتخابات، وقد تم رفضها ولمّا يجف حبر توقيعها بعد.
لا زلنا في المتاهة أيها الرجل الذي بدأ صقراً يوم طرد قواعد أميركا وبريطانيا، وانتهى صفراً للأسف يوم سمح {لست أدري لماذا} بأن تتقافز على كتفيه القرود.
لا يزال التاريخ يشهد، ولا يزال قلمي يكتب حتى يذوى وهجه ويجف مداده بالموت والغياب لا بالخوف والصمت.
محمد بعيو