إعلان

تابعنا على فيسبوك

ما لم يقله معظم الاعلام الغربي عن انقلاب النيجر

ثلاثاء, 08/08/2023 - 16:44

هذا الانقلاب في النيجر الذي يحتل العناوين الرئيسية في معظم أنحاء العالم ليس انقلابا على الديموقراطية مثلما يروج الاعلام الغربي حاليا، وانما هو إنقلاب على الجوع والفقر والفساد والمحسوبية، ونهب الثروات، والهيمنة الغربية الفرنسية والامريكية، وكانت “ام المفاجآت وابوها” التفاف الغالبية من الشعب النيجري حوله، والاحتفال به كيوم تحرير ونصر وانعتاق من براثن الاستعمار الغربي، وهذا الالتفاف الشعبي حول الانقلاب، وقيادته، ليست من عندياتنا، وانما جاءت في برقية لوكالة الانباء الفرنسية في تغطية لها لإحتفال اكثر من 30 الفا من سكان العاصمة نيامي ورفعهم اعلام بلادهم وروسيا والصين في الاستاد الرياضي الاضخم في البلاد.
غالبية أهل النيجر، وحسب الوكالة نفسها، يؤمنون بأن النظام الذي أطاح به الانقلاب لم يكن ديمقراطيا، وانما مستبدا وفاسدا، ودمية في يد فرنسا، وفتح أراضي البلاد للقواعد العسكرية الامريكية والفرنسية يتواجد فيها حوالي 1500 جندي فرنسي، وآلاف الامريكيين، والذريعة مكافحة الإرهاب الذي وفر له الغرب الحاضنة في منطقة الساحل الافريقي والصحراء الكبرى بسياساته الاستعمارية.
نضرب مثلا على هذه السرقة الفرنسية البشعة لثروات الشعب النيجري بهيئة “سومير” التي تحتكر تعدين اليورانيوم في البلاد الذي يمثل 7 بالمئة من الإنتاج العالمي، ويعتبر الأعلى جودة، فهيئة الطاقة النووية الفرنسية وثلاث شركات أخرى تابعة لها تملك 85 بالمئة من أسهمها، بينما لا تملك الحكومة “الديمقراطية” النيجرية السابقة في النيجر الا 15 بالمئة فقط، وبينما تعتبر كل واحدة من بين كل ثلاث مصابيح كهرباء في فرنسا (لمبات) تضاء باليورانيوم المنهوب من النيجر بأسعار متدنية جدا، وأكثر من 70 بالمئة من مدن وقرى النيجر لا يعرف الكهرباء اساسا.
اول قرار اتخذه الجنرال عبد الرحمن تياني قائد الإنقلاب منع جميع صادرات الذهب واليورانيوم التي تشكل 50 بالمئة من صادرات البلاد الى فرنسا، وربما تكون قراراته القادمة الغاء اللغة الفرنسية كلغة رسمية للبلاد، والانسحاب من منظمة الفرنكوفونية أسوة بجارته وحليفته دولة مالي ومجلسها العسكري.
المهلة التي اعطتها المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا “ايكواس” التي تقودها نيجيريا وهددت فيها بالتدخل العسكري اذا لم يسلم المجلس العسكري السلطة للرئيس المخلوع محمد بازوم، هذه المهلة انتهت منتصف ليل الاحد الماضي، ولم يرضخ الجنرال عبد الرحمن لهذا التهديد، واغلق المجال الجوي لبلاده، استعدادا للحرب، والأكثر من ذلك رفضه طلبا مماثلا للسيدة فيكتوريا نولاند نائبة وزير الدفاع الامريكية التي زارت نيامي العاصمة في الأيام القليلة الماضية بلقاء الرئيس المخلوع بازوم.
مجموعة “ايكواس” المنقسمة (15 دولة)، عقدت اجتماعا لرؤساء اركان جيوشها في ابوجا العاصمة النيجيرية، وجرى الاتفاق على تشكيل جيش من 25 ألف جندي للقيام بالتدخل العسكري في النيجر بتحريض ودعم من فرنسا وامريكا، ونصف هذه القوات سيكون نيجيريا، وساعة الصفر للتدخل قد تصدرها قمة هذه المجموعة وقادتها التي ستعقد يوم الخميس (بعد غد) اثناء اجتماعها الطارئ في العاصمة النيجيرية.
نحن امام احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة بالإنابة تشعلها فرنسا وامريكا، قد تقسّم القارة الافريقية وتستنزف ثرواتها، في موازاة للحرب الأوكرانية، فروسيا والصين تدعم الإنقلاب العسكري في النيجر، وامريكا وفرنسا ودول حلف الناتو تدعم الرئيس النيجري المخلوع وتضغط لعودته، والأمر المؤكد ان دولا افريقية مثل مالي وبوركينا فاسو، وربما تشاد، ستقاتل أي تدخل عسكري في النيجر، وأعلنت ذلك صراحة، ولا ننسى ان قوات فاغنر الروسية جاهزة للقتال في خندق الرئيس الجديد وحكومته، ولم يتردد الرئيس بوتين ان يضع النيجر على قائمة الدول الافريقية الفقيرة التي سيقدم لها الحبوب مجانا.
الجزائر ومثلما يُجمع معظم الخبراء في الشؤون الافريقية هي الدولة الوحيدة التي تملك القدرات العسكرية التي تؤهلها بالتدخل لإنهاء الانقلاب، ولكنها لا تريد، وتعارضه بقوة، لان هذا التدخل، مثلما جاء على لسان الرئيس عبد المجيد تبون، يشكل تهديدا ليس لأمن القارة الافريقية واستقرارها وانما لأمن بلاده واستقرارها أيضا، مؤكدا انه لا بديل عن الحلول السلمية.
ختاما نقول أننا لسنا ضد الديمقراطية، ونفرق دائما بين المزيفة منها التي تفتح الأبواب للهيمنة الاستعمارية، وتعزز الفساد ونهب ثروات البلاد، وبين الديمقراطية الحقيقية التي تنحاز للشعوب، وتعزز المساواة، والتنمية المستدامة، والرخاء، والإنحياز للفقراء والطبقة المعدمة، وتكرس السيادة والاستقلال، ونحن مع الأخيرة حتما، ودون تردد، ففي لبنان ديمقراطية على النمط الغربي، والحال نفسه في ليبيا والعراق، ومن المفترض في اليمن والسودان، والقائمة طويلة، فطمنونا عن أحوال الشعوب فيها.. والباقي متروك لفهمكم.
عبد الباري عطوان