ظهر مصطلح "التطبيع" بحمولته السياسية بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع "إسرائيل" سنة 1979، التي نصّت على أن يقيم الطرفان فيما بينهما "علاقات طبيعية" كالتي تقوم بين الدول في وقت السلم.
أصل المصطلح وتعريفه
ومصطلح "التطبيع" (Normalization) مشتق من الكلمة الإنجليزية (Normal) أي العادي والمتعارف عليه والمعتاد.
ولم يرد في معاجم وقواميس اللغة العربية بمفهومه السياسي المعتمد اليوم في أدبيات العلاقات الدولية، بينما وردت كلمات مثل الطبع والطبيعة والتطبع والانطباع، وتدور كلها حول معنى السجية التي جُبل عليها الإنسان، حتى يصبح ذلك الطبع "طبعة" أو "دمغة" ملازمة له، وهو أمر يناقض مفهوم "التطبيع" الذي يُقصد به جعل العلاقات بين طرفين عادية وسلمية على عكس حقيقتها القائمة على الأرض.
ويعد الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو من أوائل الذين تحدثوا عن مصطلح التطبيع في كتابه "المراقبة والمعاقبة"، وفي محاضرة بعنوان "الأمن، الإقليم، السكان" عام 1978، إذ قال إن مفهوم التطبيع "يتألف في الأساس من إنشاء نموذج مثالي يتوافق مع نتيجة محددة".
ويضيف أن الهدف مما يسميه "التطبيع التأديبي" هو "جعل الأفراد والحركات والإجراءات تتماشى مع هذا النموذج المرسوم بدقة، إذ يعد هذا النموذج المعيار الطبيعي الذي يجب الامتثال له، وكل ما يخرج عن هذا المعيار يعتبر غير طبيعي وغير مقبول".
ويستعمل مصطلح التطبيع أيضا في علم الاجتماع الطبي والرعاية الصحية، ودراسات العلوم والتكنولوجيا في إطار ما تعرف بـ"نظرية عملية التطبيع" لتوفير إطار لفهم العمليات الاجتماعية، ويتم عبرها إدماج طرق التفكير والتنظيم والعمل الجديدة في العمل اليومي.
يشير وزن مصطلح تطبيع (على وزن تفعيل) إلى أن التطبيع عملية ممتدة في الزمن تقوم على كسر الحواجز وعلى الترويض حتى الوصول إلى غاية تحويل وضع ما إلى وضع "طبيعي"، بما يفيد أنها عملية تنطوي على قهرية معينة سواء في اللغة أو الواقع، بالسعي لجعل غير الطبيعي بحكم الحقيقة والتاريخ والجغرافيا أمرا طبيعيا دون منطق معقول، فالأصل في التطبيع في علاقات طرفين متصارعين أن يكون نتيجة للسلام وليس سببا له، وإلا فلا يوجد ما يلزم أحد الطرفين به إذا كان سببا وليس نتيجة.
أشكال التطبيع
بالإضافة إلى التطبيع السياسي والدبلوماسي والأمني والعسكري والاقتصادي والتجاري، تراهن إسرائيل على أشكال أخرى من التطبيع أولها الثقافي والفني والرياضي عبر المؤتمرات والمحافل الثقافية والأدبية والرياضية.
كما تسعى إلى نسج علاقات مع مثقفين وفنانين عرب لكسب العلاقات مع من سيكونون "رسل" التطبيع، ويشاركون بوعي أو بغير وعي في مشاريع وخطط تزييف الحقائق التاريخية، وادعاء وجود حق للصهاينة في الأراضي الفلسطينية ومدينة القدس، بناء على قناعات تلمودية ودينية، وخلق بيئة نفسية تتقبل فكرة تهجير الفلسطينيين وترحيلهم من أرضهم.
كما تعتمد إسرائيل على التطبيع الإعلامي باستضافة أشخاص منها على قنوات عربية، وكذلك التطبيع الديني بتنظيم رحلات إلى القدس بدعوى ومبرر الحج الديني وزيارة الأماكن المقدسة.
اتفاقات تطبيع وُقعت مع إسرائيل
كان قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (242) عام 1967، الذي يدعو إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها في حرب 67، الأساس الذي بُنيت عليه ما تسمى مبادرات "سلام"، وفي ما يلي الاتفاقات بين الدول العربية وإسرائيل:
اتفاق كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل، إذ اتفق مناحيم بيغن وأنور السادات على إطار عمل لتحقيق السلام تنسحب بموجبه إسرائيل على مراحل من شبه جزيرة سيناء المصرية، وإقامة حكومة فلسطينية مؤقتة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية عام 1979، وكانت أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية. وقوبلت المعاهدة برفض وغضب عربي وصل إلى حد مقاطعة مصر ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس.
معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994 في وادي عربة.
اتفاق أوسلو وقّعته منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل عام 1993 بعد محادثات سرية في النرويج أسفرت عن اتفاقات سلام تنص على إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين وانتخاب مجلس في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية.
قدمت المملكة العربية السعودية عام 2002 خطة سلام أقرتها جامعة الدول العربية تقضي بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة وقبولها بإقامة دولة فلسطينية مقابل إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية.
أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يوم 13 أغسطس/آب 2020 التوصل إلى اتفاق مفاجئ لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات.
أعلنت البحرين بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول 2020، في بيان مشترك مع إسرائيل والولايات المتحدة، الاتفاق على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
أعلن بتاريخ في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2020 اتفاق ثلاثي (مغربي أميركي إسرائيلي) ينص على استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل وتسهيل الرحلات الجوية المباشرة بينهما، و"تطوير علاقات مبتكرة" في المجال الاقتصادي والتكنولوجي. وينص الاتفاق كذلك على العمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقا ولسنوات عديدة، إلى غاية 2002. وينص الاتفاق الثلاثي على اعتراف الولايات المتحدة الأميركية "بسيادة المملكة المغربية الكاملة على منطقة الصحراء المغربية كافة"، كما ورد في بيان للديوان الملكي المغربي آنذاك.
أعلن يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن اتفاق تطبيع بين السودان وإسرائيل.
ونهاية سبتمبر/أيلول 2023، أعلن متحدث باسم البيت الأبيض أن هناك مفاوضات ترمي إلى "تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية"، في حين قالت صحيفة الرياض السعودية إن المملكة غير متعجلة لإقامة علاقات مع إسرائيل برعاية أميركية حتى تحصل على ما تريد.وأكدت الصحيفة أن "التفاوض على إقامة علاقات مع إسرائيل سيمر بمراحل، مع وجود مسار آخر يتمثل في تهيئة الأرضية المناسبة ليكون الاتفاق مبنيا على أسس واضحة، ويعرف كل طرف ما له وما عليه حال إتمامه".
ورغم تصاعد حجم التطبيع، فإن إسرائيل لا تشعر بالارتياح، إذ صرحت وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بأن 90% من الخطاب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي رافض لاتفاقيات التطبيع.
كما تشكلت في عدد من الدول العربية هيئات ومؤسسات وجمعيات مناهضة للتطبيع، وتدعو إلى وقف مسلسله، وتحذر من خطورته على قيم ونسيج المجتمعات العربية والإسلامية.
المصدر : مواقع إلكترونية