إعلان

تابعنا على فيسبوك

في حرب غزة… حتى إحصاء الشهداء أصبح عسيرا

جمعة, 08/12/2023 - 09:56

 شنت القوات الإسرائيلية حملة جوية وبرية على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة بعد هجوم الحركة في السابع من أكتوبر تشرين الأول على جنوب إسرائيل.

وتشير أرقام وزارة الصحة في غزة إلى أن الهجوم الإسرائيلي ادى لاستشهاد 17177 فلسطينيا على الأقل، فيما تقدر الإحصاءات الإسرائيلية أن 1200 شخص لاقوا حتفهم في هجوم حماس داخل إسرائيل.

وتحذر وكالات إغاثة من أن الكارثة الإنسانية في غزة تتفاقم كل ساعة مع تشرد معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة ومحاصرتهم في جيب ساحلي ضيق مع القليل من الغذاء والماء والرعاية الطبية والوقود والمأوى الآمن.

ويتزايد القلق من احتمال عجز السلطات الصحية في غزة عن مواصلة الإحصاء الدقيق الشهداء مع تدمير البنية التحتية الأساسية وتكرار تعطل خدمات الهاتف والإنترنت ومقتل أو اختفاء عدد من القائمين على هذه العملية.

* كيف جُمعت الحصيلة حتى الآن؟

في الأسابيع الستة الأولى من الحرب، أرسلت مشارح المستشفيات في أنحاء غزة الأرقام إلى مركز الإحصاء الرئيسي التابع لوزارة الصحة التي تديرها حماس في مستشفى الشفاء. واستخدم المسؤولون برنامج إكسل في تسجيل أسماء الشهداء وأعمارهم وأرقام بطاقات هوياتهم ونقلوا ذلك إلى وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله.

لكن عمر حسين علي، مدير مركز عمليات الطوارئ التابع للوزارة في رام الله، قال إن من بين المسؤولين الأربعة الذين يديرون مركز بيانات الشفاء، استشهد أحدهم في غارة جوية أصابت المستشفى بينما لا يُعرف مصير الثلاثة الآخرين حين استولت القوات الإسرائيلية على المبنى بحجة أنه مخبأ لحماس.

وقال هاميت داردوغان مؤسس ومدير مشروع ضحايا حرب العراق الذي أنشئ أثناء الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق “ذاك النوع من تسجيل الضحايا المطلوب لفهم ما يجري أصبح أكثر صعوبة. فالبنية التحتية للمعلومات والأنظمة الصحية تتعرض لتدمير ممنهج”.

وتحاول منظمة داردوغان أيضا رصد عدد الشهداء والجرحى في غزة بالاستعانة ببيانات وزارة الصحة ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير إعلامية أخرى حول الوفيات.

ومع انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعا واحدا في الأول من ديسمبر كانون الأول، أصبح تحديث الحصيلة الذي كان يصدر يوميا بشكل عام غير منتظم. وجاءت أحدث إضافة لبيانات وزارة الصحة في غزة اليوم الخميس عبر المتحدث باسمها أشرف القدرة مع ارتفاع عدد القتلى إلى 17177. ونحو 350 قُتلوا خلال الأربع والعشرين ساعة المنصرمة.

وتحدث القدرة، الذي انقطع الاتصال به ليومين تقريبا في وقت سابق من الأسبوع، خلال مؤتمر صحفي مقتضب من مستشفى ناصر في جنوب غزة حيث حاول المسعفون في وقت سابق من اليوم علاج الأطفال والنساء والرجال المصابين بجروح خطيرة.

وقالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة يوم الثلاثاء إن الخدمات الصحية في غزة في حالة يرثى لها، بعد قتل القوات الإسرائيلية لأكثر من 250 موظفا واعتقالها 30 على الأقل.

* هل أرقام الضحايا المعلنة شاملة؟

جواب الخبراء لرويترز على هذا السؤال كان بالنفي.

فقد قال متحدث باسم وكالة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة “يشير رصدنا إلى أن الأرقام التي قدمتها وزارة الصحة قد تكون أقل من الواقع لأنها لا تشمل الشهداء الذين لم يصلوا إلى المستشفيات أو من يُحتمل وجودهم تحت الأنقاض”.

وقال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة في جامعة ييل الذي عمل في إحصاء قتلى الصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية أكثر من 20 عاما “إنه افتراض منطقي أن الأعداد المسجلة أقل من الواقع، ومنخفضة”.

وجاء في تقرير للسلطة الفلسطينية صادر في 26 أكتوبر تشرين الأول أن ألف جثمان على الأقل لا يمكن انتشالها أو نقلها إلى المشارح، نقلا عن عائلات أجرى موظفو السلطة الفلسطينية مقابلات معها وهو مثال واضح لتأثير الحرب “على جمع البيانات والإبلاغ عنها”، حسبما جاء في تقرير لمجلة لانسيت.

وقالت الوزيرة مي الكيلة يوم الثلاثاء إن عدد الجثامين التي يخشى أنها تحت الأنقاض يصل الآن إلى الآلاف، وإن الدمار لحق بجزء كبير من معدات الحفر التابعة لقوات الدفاع المدني في غزة في الغارات الجوية الإسرائيلية.

* ما مدى مصداقية أرقام الخسائر البشرية حتى الآن؟

قال خبراء في الصحة العامة لرويترز إن غزة قبل الحرب كانت تتمتع بإحصاءات سكانية جيدة، من إحصاء عام 2017 وعمليات مسح أحدث للأمم المتحدة وأنظمة معلومات صحية سلسة وأفضل من معظم دول الشرق الأوسط.

وقالت أونا كامبل، الأستاذة في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، إن السلطات الصحية الفلسطينية تتمتع بمصداقية راسخة في أساليبها للحفاظ على الإحصاءات الأساسية وتتبع الوفيات بشكل عام، وليس فقط في أوقات الحرب. وتعتمد عليها وكالات الأمم المتحدة.

وقال ريموند من جامعة ييل “قدرات جمع البيانات الفلسطينية احترافية وكثيرون من موظفي الوزارة تدربوا في الولايات المتحدة. وهم يعملون بجد لضمان الدقة الإحصائية”.

في 26 أكتوبر تشرين الأول، نشرت وزارة الصحة الفلسطينية تقريرا مؤلفا من 212 صفحة تضمن أسماء وأعمار وأرقام هويات 7028 فلسطينيا سجلتهم كقتلى جراء ضربات جوية إسرائيلية، بعد أن شكك الرئيس الأمريكي جو بايدن في أعداد الشهداء.

وحللت كامبل وأكاديميان آخران البيانات الواردة في تقرير مجلة لانسيت الطبية في 26 نوفمبر تشرين الثاني وخلصوا إلى أن ليس هناك سبب واضح للشك في صحتها. وكتب الباحثون “نرى أن من غير المعقول أن هذه الأنماط (لمعدلات الوفيات) مستقاة من بيانات ملفقة”.

ولم تصدر وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية تقريرا مفصلا مماثلا منذئذ في تجل لضعف الاتصالات مع غزة.

وثارت تساؤلات حول أرقام الشهداء والجرحى جراء انفجار وقع في 17 أكتوبر تشرين الأول في المستشفى الأهلي العربي المعمداني في مدينة غزة. وأعلنت وزارة الصحة في القطاع أن 471 شخصا اسشتهدوا في الانفجار الذي قال الفلسطينيون إنه نجم عن ضربة جوية إسرائيلية.

لكن إسرائيل ومنظمات في الخارج من بينها هيومن رايتس ووتش قالت إنه ربما يكون ناجما عن صاروخ فلسطيني لم يصب هدفه. وقدر تقرير مخابراتي أمريكي رفعت عنه السرية عدد الشهداء “عند الحد الأدنى من نطاق 100 إلى 300”.

لكن بشكل إجمالي تثق هيئات دولية في مصداقية بيانات الشهداء والجرحى الفلسطينيين.

* ماذا تقول إسرائيل؟

قال مسؤول إسرائيلي كبير للصحفيين يوم الاثنين إن نحو ثلث الشهداء في غزة حتى الآن ممن وصفهم بالمقاتلين الأعداء، مقدرا عددهم بأقل من عشرة آلاف لكن أكثر من خمسة آلاف دون أن يقدم تفاصيل عن مسوغات لتقديره هذا. وقال المسؤول إن العدد الإجمالي للشهداء الذي أعلنته السلطات الفلسطينية الذي بلغ حتى يوم الاثنين نحو 15 ألف قتيل دون تقسيم بين مدني ومقاتل، صحيح “بشكل أو بآخر”.

وتقول جماعات لحقوق الإنسان وباحثون إن ارتفاع عدد القتلى المدنيين ناجم عن استخدام أسلحة ثقيلة تتضمن ما يسمى بالقنابل “الخارقة للتحصينات” التي تستهدف تدمير شبكة أنفاق حماس الاستراتيجية والضربات الجوية لمناطق سكنية تقول إسرائيل إن حماس تخبئ فيها قواعد لمقاتليها ومنصات إطلاق صواريخ وأسلحة داخل المباني السكنية والمستشفيات وأسفلها.

* ما نسبة الأطفال بين الشهداء؟

تعرف الأمم المتحدة والقانون الإسرائيلي والفلسطيني، الطفل بأنه الشخص الذي يقل عمره عن 18 عاما، على الرغم من أن بعض مقاتلي حماس يُعتقد بأنهم في هذه الفئة العمرية.

وقالت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية يوم الثلاثاء إن نحو 70 بالمئة من الشهداء في غزة من النساء والأطفال دون 18 عاما، لكنها لم تنشر أي تقسيم للفئات العمرية منذ تقريرها الصادر في 26 أكتوبر تشرين الأول.

وجاء في تقرير مجلة لانسيت الطبية أن بيانات تقرير الوزارة الفلسطينية أظهرت أن 11.5 بالمئة من الوفيات التي سجلتها في الفترة من السابع إلى 26 أكتوبر تشرين الأول كانت لأطفال لا تزيد أعمارهم على أربع سنوات، وأن 11.5 بالمئة تراوحت أعمارهم بين خمس وتسع سنوات، و10.7 بالمئة أعمارهم بين عشرة و14 عاما و9.1 بالمئة بين 15 و19 عاما.

وجاء في التقرير “هناك ارتفاع واضح بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و34 عاما، فيما قد يمثل مقاتلين أو تعرض المدنيين” مثل المسعفين في مواقع القصف والصحفيين والأشخاص الذين يخرجون لجلب الماء والغذاء لعائلاتهم.

* أيمكن أن يصبح إحصاء القتلى من خسائر الحرب الآن؟

قال ريتشارد بيبركورن مبعوث منظمة الصحة العالمية إلى غزة يوم الثلاثاء إن المرحلة الجديدة من الهجوم الإسرائيلي التي تمتد إلى النصف الجنوبي من قطاع غزة اعتبارا من الأول من ديسمبر كانون الأول زادت من تراجع القدرة على جمع بيانات موثوق بها عن عدد القتلى.

وأضاف “مثلما نعلم جميعا، نحصل عادة على (البيانات) من وزارة الصحة، ومنذ أيام اعتمد الأمر أكثر على التقديرات، وأصبح الأمر أكثر صعوبة”.

وقال خبراء إن من المؤشرات المروعة الأخرى لخسائر الحرب أنه أصبح من المستحيل تقريبا أن تعمل مجموعة من التكنوقراط في مجال الصحة تتمتع بالكفاءة سابقا.

وقال ريموند من جامعة ييل “إنها علامة رهيبة حين نصل إلى نقطة، كما هو حال السودان حيث لا يكون هناك حتى تسجيل للوفيات. وهذا في حد ذاته يبدو لنا كعمال إغاثة الاحتمال الأسوأ”.