مع اقتراب موعد المؤتمر العام لمشروع المصالحة الوطنية في ليبيا، بدأت الملفات الشائكة تطفو على السطح، وتطرح نفسها بقوة كعراقيل تحول دون تفكيك عقد الخلافات التي تعرفها البلاد منذ العام 2011. وقرر أنصار النظام السابق الانسحاب من المشاركة في مشروع المصالحة، بسبب عدم تسجيل أيّ تقدم في الملفات العالقة ومنها ملفات السجناء والمحتجزين دون محاكمة منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي قبل 12 عاما.
ويأتي القرار رغم التعهدات التي قطعها المجلس الرئاسي، بإشراك الجميع في عملية المصالحة التي طال انتظارها، ومن دون إقصاء لأيّ طرف. وأعلن الفريق السياسي لسيف الإسلام القذافي انسحابه من المشاركة في المؤتمر الوطني المنتظر عقده بعد نحو أربعة أشهر بشأن المصالحة، احتجاجا على استمرار سجن رموز نظام معمر القذافي.
واتهم الفريق في بيان له، المجلس الرئاسي بعدم الجديّة تجاه عملية المصالحة من خلال عدم معالجة ملف إطلاق سراح رموز النظام السابق المعتقلين منذ 2011 دون توجيه تهم إليهم. واعتبر الفريق أنه من العبث الاستمرار في هذا المشروع، لأنّ روح الانتقام لا تزال سائدة مع استمرار معاملة بعض الليبيين على أنهم عبيد ومواطنون من الدرجة الثانية، مشددا على أن العدالة ينبغي ألا تكون لطرف على حساب طرف آخر.
وأعلن المجلس الرئاسي الليبي أن “المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة الوطنية” سيعقد بمدينة سرت في 28 أبريل المقبل، بعد أن تم تحديد آلية تشكيل اللجنة التحضيرية لتنظيم المؤتمر، واختصاصاتها ونظامها الداخلي.
وخلال أعمال الاجتماع العادي الثالث للجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية، الذي انعقد في مدينة سبها، جنوبي البلاد، برئاسة اللافي، مسؤول ملف المصالحة بالمجلس الرئاسي، ومشاركة وزير الشؤون الخارجية والفرنكوفونية الكونغولي جان كلود جاكوسو، ومستشار الاتحاد الأفريقي للمصالحة الوطنية محمد حسن اللباد، وأعضاء اللجنة التحضيرية الممثلين عن جميع الأطراف الرئيسية، تم التطرق إلى عدد من القضايا من بينها ضرورة أن تظهر سلطات طرابلس حسن النوايا بالإفراج عن السجناء والمعتقلين منذ العام 2011 والكشف عن مكان دفن العقيد الراحل وابنه المعتصم ووزير الدفاع في عهده أبوبكر يونس جابر.
وأكد اللافي، على حرص المجلس على الالتزام بثوابت المصالحة الوطنية في ليبيا، ومن بين هذه الثوابت وحدة البلاد وحرمة الدم الليبي، وعدم العودة إلى أيّ تنازع، بالإضافة إلى ضرورة إشراك جميع الأطراف في عملية المصالحة الشاملة دون إقصاء أي طرف، حيث تهدف المصالحة إلى توفير بيئة مناسبة للتعامل مع الأزمة السياسية في البلاد.
وتحركات اللافي والمواقف المعلن عنها بشأن خطوات تحقيق المصالحة لم تبدد قلق أنصار النظام السابق الذين يرون أن استمرار ملف المعتقلين. والمحتجزين دون محاكمة لا يؤشر على وجود إرادة سياسية حقيقية للدفع قدما بشأن تركيز مصالحة حقيقية. وبحسب مصادر مطلعة، فإن موقف أنصار النظام السابق جاء نتيجة اعتراف وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بوجود سجون تخضع لنفوذ ميليشيات وجماعات مسلحة وغير خاضعة لسلطات الدولة.
وكان إعلان الوزيرة المنتمية لحكومة الوحدة التي يترأسها عبدالحميد الدبيبة أثار جدلا واسعا في ليبيا، ودفع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بمطالبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولجنة العقوبات الدولية بمحاسبة الحكومة ووزارة العدل، وبإنشاء آليات دولية للتحقيق في قضايا الإخفاء القسري والاختطاف وإدارة سجون سرية وتحت غطاء شرعية هذه الحكومة.
وأشارت المؤسسة الحقوقية في بيان لها إلى أن اعتراف وزيرة العدل بالعجز عن ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، ناهيك عن فشلها في ضمان حق التقاضي والمحاكمة العادلة للسجناء، يؤكّد فقدان الوزارة التابعة لحكومة الوحدة لحياديتها وضياع سلطاتها أمام جهات أخرى خارج دائرة القضاء. ودعت المؤسسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولجنة العقوبات الدولية إلى محاسبة حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة ووزارة العدل، وطالبت بإنشاء آليات دولية للتحقيق في قضايا الإخفاء القسري والاختطاف وفي إدارة سجون سرية على مرأى ومسمع حكومة الوحدة وتحت غطاء شرعيتها.
وحثت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أهالي وذوي الضحايا والمتضررين من حالات وجرائم التعذيب والاختطاف والإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي للحرية، على تقديم شكاواهم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وفريق مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الخاص بليبيا، وللآليات الدولية المعنية بالعدالة الدولية وحقوق الإنسان، باعتبار أن ما تضمنه بيان وزارة العدل يمثل رسالة تفيد بأن الحكومة غير قادرة أو غير راغبة أو عاجزة عن ضمان حق التقاضي للضحايا والمتضررين، ومحاسبة المسؤولين الذين ارتكبوا هذه الجرائم والانتهاكات.
وأكدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن المواطن الليبي في عهد ولاية وزيرة العدل بحكومة الوحدة الوطنية، سيق ليحاكم في قاعات محاكم أجنبية، ودون أيّ اتفاق قضائي، بل تحوم شبهة الخطف وتسليمه لقوى دولية بالمخالفة للقوانين والتشريعات الليبية في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ ليبيا أن تسلم مواطنيها لدول أخرى، من أجل استرضاء هذه الدولة للحفاظ على مركز السلطة، وذلك في اشارة إلى الضابط السابق بجهاز الأمن الخارجي أبوعجيلة المريمي الذي تم تسليمه لواشنطن لمحاكمته بشبهة التورط في حادثة لوكربي.
ويرى مراقبون أن ملف حكم الميليشيات عاد بقوة إلى الواجهة هذه الأيام في ليبيا من خلال الصراع على النفوذ في عدد من المناطق كطرابلس وغدامس، وكذلك من خلال دورها في عرقلة أيّ مشروع للمصالحة الوطنية أو لإعادة توحيد المؤسسات السيادية وتجاوز حالة الانقسام والاتجاه نحو تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية بتوافق بين مختلف الفرقاء، وعلى أساس الحؤول دون إقصاء أيّ طرف سياسي وحرمانه من حقه في خوض السباق نحو منصة الحكم والمنافسة على نيل ثقة الناخبين.
وتعيش ليبيا حالة من الفوضى السياسية والانفلات الأمني بعد سيطرة العصابات الإرهابية المسلحة على مقاليد السلطة بإسناد من الناتو 2011.