بالرحيل المفاجئ للعميد محمد فال ولد عمير تنطفئ شمعة اعلامية متألقةً وسمعة صحافية متجذرة..
ولد عمير كان واحدا من أشهر الصحافة الخاصة ومن أبرز رواد الكلمة الحرة الذين ساهموا بصدق وبحق في تأسيس وتكريس الصحافة الخاصة ببلادنا بكل ما تفرضه من تحديات كبيرة وتضحيات جسيمة ،وحدهم الذين عايشوها يدركون صعوبة تهجي أرقام السنوات فيها ،فكيف بمن أمضى من عمره أربعة عقود مكافحا بها منافحا عنها وفي سياقات مختلفة لا ثابت فيها الا حرص الرجل على الاضطلاع برسالته النبيلة توسيعًا لفضاء الحريات وتنويعا لمختلف المنابر بدءا بموريتانيا دميه، فالقلم فالبيان فلا تربين فالمنبر.
كرس رسالته للحمة الشعب ووحدة الامة وحرية الصحافة ففضح الانتهاكات وثمن المكاسب وواجه المصاعب بشجاعة واخلاص .
أربعة عقود أمضاها الراحل في الصحافة الخاصة و قبلها قرابة العقد في قطاع التعليم وبين الاعلام والتعليم واصل حياته المهنية مربيا ومنورا ومبشرا بالحرية و الوطنية
وحين عين مديرا عاما بالوكالة الموريتانية للأنباء تمكن في أريع سنوات ـ كان فيها لعماله المديروالزميل والاخ الناصح ـ أن يحقق مكاسب مهمة للهيئة والعاملين بها محافظا على توسيع أدائها وانصاف عمالها وتنويع وسائطها وافتتاح مكاتبها بالداخل
ولد عمير المواطن وولد عمير الإعلامي كان يلخص أولويات مسيرته في مسالتين اثنتين، يراهما بحاجة ماسة للتضحية احداهما لصيقة بالوطن والثانية مرتبطة بالاعلام
في الوطن... واجب استعادة لحمته وانسجام مكوناته فنظام التسعينات فرق بين كل سياسيين بل وبين كل سياميين وفصل كل متلازمين والشواهد يقول العميد علي طريقة الدعابة الجاحظية بارزة في يومياتنا الاجتماعية التي طالتها يد التفرقة حتي في الرديفين الشاي والسكر اللذين لم يعد يسعهما ابريق واحد "فرقو حتي الورقة والسكر.. ماتلاو يجو فبراد واحد " فاستقل كل منهما عن الاخر والمكونات الاجتماعية المتساكنة في أصولها طالتها يد التشتيت ، طيلة الستينات والتسعينات ومن واجبنا العمل على توحيدها وجبر ضررها
وفي الاعلام ... بات من اللازم بطبيعة الفاعلين الجدد وطبائع المستهلكين الجدد ووسائط الاعلام المستجدة استعادة الحقيقة لمفهومها كقيمة مطلقة مجردة وهدف أسمي في المشهد الإعلامي والاخباري منه خاصة . فما عاد المواطن يبحث عن شيء أكثر من حقيقة الخبر في حد ذاته بعدما شوه الاخبار الزيف والتضليل والتعليق في ظل الدفق الاعلامي غير الراشد ..
جمع ولد عمير بين صورتين اثنيتن: المثقف الوطني المتنور التقدمي في شخصيته، و الموريتاني المحظري "المحصري"في شخصه
لا يتحدث تواضعا الا الحسانية غالبا ولا تتوسم فيه تهجيا للغة الفرنسية ولا تعرف أنه يعرفها الا حين يكتب ، ولا يكتب الا وضمخ لغة موليير في تثاقف خالص بقيم مجتمعه وتاريخ بلده فينضاف عالمه الصغير لعوالم الكون وتحضر أشعار وأذكار امحمد و روائع أهل هدار والرجالة والشيخ محمد الامين وولد البوباجه وأهل الباشا والشيخ ولد مكي .
كانت له قدرات كبيرة في مجال تعايش أجيال الصحافة ، يوقر كبيرها ويحنو على صغيرها ويشفق على دخيلها يأخذ بيده سواء السبيل ويوليه النصح والإرشاد ، ويسع المبتدئين بما منحه الله من مهنية وتؤدة وتبصر ورزانة وكياسة وفكر نقدي دون استكبار ولا أدنى اعتبار للسن رغم تجربة طويلة ومراس واثق وعمق مشهود يحرض على عدم التواضع .
ولد عمير ..أغلب الذين تعلموا منه لم يقرأوه لحاجز اللغة .. انما عايشوه في ناديه أو سمعوه. وفاتهم جمال ما يكتب حين يتأنق وسحر ما يسطر حين يتألق ، وكل الذين أعجبوا به حين قرأوه في لغة منفاه فاتهم عمير الانسان في ما يفعل. والقلة التي جمعت عميرا في الرحلتين ازدادت اعجابا على اعجاب
عزاؤنا لأنفسنا وللصحافة والوطن و للفاضلة ليلى والبنات وهند وموسي واحمد الشيخ و محمدن محمد فال وافال وبا وكيسيما جاكانا. وخليلو جاكانا وامبارك ومختار و محمد والعزة وولد الخو .... هذا الشتات الواحد او الواحد المشتت كان عمير مسكونا به فيجمعه قلما منافحا ورحما موصولة ..
الى رحمة الله ياعمير فقد خسرنا برحيلك انسانا علما و قلما باذخا ومواطنا مخلصا.
تقبلك الله في عليين مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وانا لله وانا اليه راجعون..