أمير الشهداء، وشيخهم، يحيى السنوار خرج من مقر قيادته تحت الأرض في قطاع غزة مُمتشقًا ببُندقيّته، ومُزنّرًا وسطه بالقنابل اليدويّة، ليُقاتل الأعداء، ويُقدّم نموذجًا، وقدوةً، في الشّهادة لكُلّ الأجيال القادمة، أمّا إخوته، وأحبّاؤه، وحُلفاؤه، في “حزب الله”، فقد قرّروا الثّأر له، وكُل من سبقوه إلى شرف الشّهادة، “الموت رُعبًا وهلعًا” لكُلّ المسؤولين الصّهاينة الذين يرتكبون حرب الإبادة في لبنان وقطاع غزة بدَعمٍ وَقِحٍ وهمجيٍّ من أمريكا والغرب الاستعماري.
أن تقطع طائرة “مُسيّرة” أطلقها مُجاهدو “حزب الله” من قواعدهم في لبنان، أكثر من 70 كيلومترًا، وتصل إلى هدفها أي منزل بنيامين نتنياهو في مدينة قيساريا المُحتلّة في شِمال فلسطين، وتفجيره، وتخترق كُل منظومات الدّفاع الجوّيّة والأرضيّة الإسرائيليّة الحديثة الأمريكيّة الصُّنع، فإنّ هذا إنجاز عسكريّ واستخباريّ كبير جدًّا، وهزيمة خطيرة ومُوجعة لدولة الاحتلال، وكُل أجهزتها الأمنيّة ودفاعاتها الجويّة والأرضيّة.
***
حذّرنا في هذا المكان نتنياهو من المُبالغة في الاحتفال باستِشهاد البطل السنوار، لأنّ هذا الاحتفال لن يُعمّر طويلًا، وها هو تحذيرنا يُعطي ثماره، وأسرع ممّا كنّا نتوقّع، لأنّ وصول هذه المُسيّرة المُباركة إلى غُرفة نومه وزوجته سارة، هو بمثابة حُكم عليه وكُل المسؤولين من أمثاله، بقضاء ما تبقّى من حياتهم في ملاجئ على عُمُق 70 مترًا تحت الأرض خوفًا وهلعًا.
السّلطات الإسرائيليّة التي تعيش ارتباكًا وحالة من انعدام الوزن، بعد نجاح هذا الاختراق الكبير على أيدي أشبال وأحفاد الشّهيد حسن نصر الله، أعلنت حالة الطّوارئ والتأهّب القُصوى لحماية جميع القادة والمسؤولين الصّهاينة، وكُل رُموز الأجهزة الأمنيّة، والاستخباريّة، لإدراكها أنّ التّهديد خطير وجدّي وغير مسبوق، ويأتي في إطار خطّة مُحكمة الإعداد والتّنفيذ معًا، والقادم أعظم.
إنّها “الهداهد” المُباركة ومناقيرها الطّويلة الرّاصدة التي ركّعت الرّادارات الإسرائيليّة وأذلّتها، وحقّقت أهدافها في تصوير جميع المرافق والقواعد والمقرّات الأمنيّة والعسكريّة والبُنى التحتيّة في دولة الاحتلال، في حيفا وتل أبيب ونهارية وصفد وطبرية، وقدّمت غلّتها “هديّة” إلى العُقول القياديّة الجبّارة في “حزب الله” ليقوموا بالواجب الوطنيّ في تدميرها وبالتّقسيط المُريح، في حربٍ ستطول معاركها، وسيكون الفوز فيها بـ”النّقاط” مثلما قال سيّد الشّهداء نصر الله في خطابه التاريخيّ الذي ألقاهُ في بداية إعلان حرب الاستِنزاف في الثّامن من تشرين أوّل (أكتوبر) من العام الماضي، أي بعد يومٍ واحد من تنفيذ هُجوم “طُوفان الأقصى” الإبداعي.
نتنياهو الذي “تباهى” باغتيال أمير الشّهداء “أبو إبراهيم”، ورقص قائد جهاز “مُوساده” وسط طاقم مُنظّمته الإرهابيّة احتفالًا وبهجة بالصّوت والصّورة بهذا الخبر، رغم أن الشّهيد هو الذي اختار نوعيّة، ومكان، وزمان شهادته، وقاتل بكُل شجاعة حتّى بعد إصابته بذراعه، وليس أجهزتهم الأمنيّة، سيدفع ثمنًا باهظًا، قد يكون عُنوانه الأبرز هو الموت مِثل الجرذان تحت الأرض، ومثلما ندم أشدّ النّدم على اغتياله السيّد الشّهيد نصر الله، سيندم أكثر على اغتيال أمير الشّهداء السنوار، وما اقتحام شهيدين نشميين للحُدود الأردنيّة مع فلسطين المُحتلّة وهُجومهم على دوريّةٍ إسرائيليّةٍ وإصابة اثنين من جُنودها إلّا أوّل الغيث.
نحنُ في هذا المقال لا ننطلق في كلماتنا وتحليلنا من زاوية “التّمنّيات” وإنّما ارتكازًا على بياناتِ غُرفة عمليّات المُقاومة الإسلاميّة في لبنان، التي لم تقل شيئًا إلّا وتحقّق وما هو أكبر منه وأهم وأخطر، ففي أحدث بياناتها يوم أمس بشّرت بالانتقال إلى المرحلة الثّانية في عمليّاتها، أي إخراج الصّواريخ الدّقيقة والمُسيّرات الأدَق من كمائنها، وتوجيهها إلى الأهداف الاستراتيجيّة للعدو في العُمُق الفِلسطيني المُحتل، وكانت المُسيّرة التي قصفت غُرفة نوم نتنياهو هي “فاتحة شهيّة” تسبق الوجَبات الرئيسيّة القادمة التي ستكون دسمة للغاية.
***
الأهداف القادمة لمحور المُقاومة ورأسه وأذرعه، ليس اغتيال نتنياهو وغالانت وهاليفي فقط، وإنّما اغتيال المشروع الصّهيوني برمّته، واقتلاعه من جُذوره، وهو المشروع السّرطاني الذي يُدمّر أمن البشريّة واستِقرارها ليس في مِنطقة الشّرق الأوسط فقط، وإنّما العالم بأسْرِه، وجرّه إلى حُروبٍ عالميّةٍ وربّما نوويّةٍ أيضًا.
ختامًا نقول لنتنياهو ورهطه، أنتم ترون أن حياتكم غالية، ولكن حياتنا أغلى، والفارق بيننا وبينكم أنّكم ستموتون لارتكابكم أعمالًا شرّيرة وحُروب إبادة، وقتل الأطفال والخدّج، أمّا رجالنا ونساؤنا وأطفالنا، فلا يخافون الموت، ويستشهدون دفاعًا عن قيم العدالة والإنسانيّة، والحُقوق المشروعة، والحياة الكريمة، ولهذا تقف الغالبيّة السّاحقة في العالم في خندقنا، وفي مُقابل خندق الشّر والتّجويع وسفْكِ الدّماء الذي تتمترسون فيه، ومِن المُؤكّد أنّ النّصر لنا حتمًا.. والأيّام بيننا.
عبد الباري عطوان