نعم يحق لنتنياهو الآن والذي كان يعاني من مأزق وجودي،بعد ان فشل في تحقيق اهدافه في قطاع غزة ولبنان، أن يفخر ويقول ” بأن اسرائيل باقية الى الأبد”،فما تحقق لدولته الان،بأن تصبح اسرائيل العظمى عبر الإحتلال العسكري للعديد من الأقطار العربية،واسرائيل العظيمة بالسيطرة الإقتصادية عليها ،تلك السيطرة التي تحدث عنها منظر السياسة الإسرائيلية شمعون بيرس، في حديثه عن الشرق الأوسط الجديد بقيادة دولته، بأن التكنولوجيا الإسرائيلية والعمالة العربية الرخيصة والثروات العربية ، قادرة ان تصنع شرق اوسط جديد، اليوم يتحقق حلم بن غوريون وبيرس ونتنياهو،في ظل أمة منهارة يلفها العجر والخسة والنذالة وانعدام الكرامة والنخوة،وفقدان الإرادة والقرار السياسي المستقل،وهذا العجز وفقدان تلك الإرادة،نشاهده بشكل ملموس،من خلال العدوان المستمر على قطاع غزة،وعدم قدرة تلك الأنظمة على تقديم أي دعم أو إسناد لقطاع غزة.
عجز لهذه الأمة وفقدان لإرادتها وتبرأ من كل من يقول بفكر وثقافة ونهج المقاومة،من محيطها لخليجها، حيث الطموح الأكبر لحكامها ان تطبع علاقاتها مع اسرائيل،وأن تعيش تحت السيطرة والإحتلال الأمريكي .
ما حدث في سوريا رغم انه فوق كل متوقع او بحوث الخيال العلمي ،ولكن حجم خيوط المؤامرة والعملية والمركز القيادي التي يقودها، ما جرى على الجبهة اللبنانية كان يشي بها، حيث وقف إطلاق نار الضرورة الذي قبل به نتنياهو، بمشاركة حلفائه الأمريكان والفرنسيين،عبر لجنة مشتركة جرت صياغتها وتوسيعها من لون سياسي واحد بعيداً عن مجلس الأمن الدولي الذي اصدر هذا القرار الأممي (1701)،كان يؤشر بأن نتنياهو يمهد للتخلص من هذا الإتفاق، وهو قال بأنه يريد ان يتفرغ لإيران وحماس، ولكن في البداية يجب ان يضمن اقفال الحدود اللبنانية – السورية، وان يستمر بعملية خرق الإتفاق بقبول وموافقة ضمنية امريكية – فرنسية، حتى ينجز اهدافه في سوريا،ولذلك قال نتنياهو متوعداً الأسد الذي رحل ،ورفض ان يكون خارج محور المقاومة، وان يمنع دخول السلاح الى حزب الله، بأنك تلعب بالنار”.
ما ان خرج غولاني من لبنان،حتى دخل جولاني مباشرة على خط سوريا،تحركت قوات كبيرة من المجموعات المسلحة بمكوناتها ومركباتها المختلفة،وفي قلبها ما يعرف بجبهة النصرة،والتي كان مسماها سابقا هيئة تحرير الشام،وهي الذراع لجماعة القاعدة الأفغانية بقيادة ايمن الظواهري، قوات مجهزة بأحدث انواع العتاد والسلاح والطائرات المسيرة التركية والأوكرانية ،والتي لم نسمع عنها طوال العدوان المستمر على قطاع غزة منذ 431 يوماً،ولم تنطلق أي واحدة منها تجاه اسرائيل”ناهيك عن التكنولوجيا واجهزة التشويش المتقدمة ،المهم في الموضوع هذا التسليح المتطور والضخ الإعلامي غير المسبوق والمخطط والمشروع الذي يجري تنفيذه،ويدار من مركز قيادي واحد،وهو ابعد من حدود الجغرافيا السورية،ولكن السيطرة على الجغرافيا السورية، لموقعها الجيواستراتيجي سيحل مشكلة توسع ونجاح المشروع في المنطقة والإقليم، والدول الأخرى المستهدفة بهذه المشروع،والتي كانت واجهته هذه التنظيمات المسلحة وفي قلبها جبهة النصرة والمصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكي والقانون الدولي، استخدمت كواجهة من أجل تنفيذ هذا المخطط والمشروع، ويبدو بأن نتنياهو وأردوغان ومعهم الأمريكان يعرفون ساعة صفر تنفيذ المخطط،ومن خلال من يقرأ ويدقق في تصريح اردوغان، نأمل ان تصل القوات المهاجمة الى دمشق بدون مشاكل، يدرك بأن هناك صفقة استلام وتسليم،بدأت من حلب وانتهت في دمشق ،فجماعة النصرة لم تنتصر،وفي المقابل انصار الرئيس الراحل لما يحاربوا ويقاتلوا وهم في عداد المهزومين، واسئلة كثيرة تطرح حول المشاركين في عملية الإستلام والتسليم، وهل الجيش وقوى الأمن السورية جزء منها..؟؟وهل الأطراف التي شاركت في قمة الدوحة روسيا وايران وتركيا والتي بعد ذلك التقت ممثلي خمس دول عربية مصر والأردن وقطر والسعودية والعراق،على علم بالمشروع والمخطط..؟ وهل الرئيس المخلوع لديه ما يخفيه..؟؟
البعض يقول بأن ما حدث في العراق وتسليم بغداد شبيه بتسليم دمشق،من حيث الإعداد والإخراج والهدف صحيح،ولكن في العراق من كان يقود وينفذ الأصيل الأمريكي،اما في سوريا الأصيل والوكيل واطرف اقليمية اخرى منخرطة في المخطط والمشروع عبر ادوات استخدمت كواجهة لهذا المخطط والمشروع، حيث ان تلك الجماعات تلتقي مع الإسرائيلي الذي قياداتها لم تكف عن التنسيق والتعاون والتواصل معه يجمعها العداء للأسد وايران وحزب الله،وكمال اللبواني المطروح لوزارة الداخلية في الحكومة الإنتقالية لجماعات الحكم الجديد، زار اسرائيل أكثر من مرة،وطلب منها التدخل لصالح تلك الجماعات مقابل التنازل عن الجولان وهنا بيت القصيد ومربط الفرس.
بايدن وادارته والذين يمارسون الكذب ،كما يتنفسون، قال بشكل واضح بأنه لن يسحب قواته من سوريا تحت حجج وذريعة حماية قواته في شمال شرق سوريا،ولكي يمنع عودة “داعش” الى سوريا،والتي انتجها واستخدمها في اثارة الفتن المذهبية والطائفية،ومخابراته المركزية دربت 11 الف من الداعشيين،والذين يستعدون للهجوم على العراق ،وقال للجماعات التي سيطرت على السلطة في سوريا، بأن عليها ان تتفاهم مع اسرائيل وتستجيب لمطالبها وشروطها،وبوابة رفع العقوبات عن سوريا ورفع جبهة النصرة من قائمة الإرهاب منوطة ومشروطة بذلك.
هذه الجماعات التقت في عدائها للأسد وايران وحزب الله،ولكن في إطار تقاسم السلطة،هي تبحث عن حصص ومكاسب ،منها ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية” قسد” والجيش الحر ،وكذلك الجماعات المتنافسة والقادمة من مشارب فكرية وايدولوجية مختلفة ،ونحن نتمنى ان تنجح تلك الجماعات في أن تشكل حكومة تستجيب الى تطلعات الشعب السوري ،قائمة على الديمقراطية والتعددية، بعيداً عن الإقصاء ،ولكن التدخلات والإشتراطات الخارجية والخلافات الداخلية، قد تدفع الى فشل أكبر واوسع من فشل السلطة السابقة، فالمشاريع الأمريكية والإسرائيلية،قائمة على الفك والتركيب والتفتيت والتجزئة الجغرافية على خطوط المذهبية والطائفية والأثنية العرقية،فإسرائيل التي استغلت ما حصل في سوريا، لكي تقوم باوسع تدمير وتجريد لسوريا من قدراتها العسكرية والتسليحية من صواريخ استراتيجية ودفاعات جوية وردارات ودبابات وقوات بحرية ومطارات وموانىء وطائرات حربية ،وكذلك مراكز البحث العلمي واغتيال العلماء ،هي اضخم عملية منذ عام 1973،ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي، 310 طلعات جوية،واحتلال المنطقة العازلة في الجولان وجبل الشيخ من الجهة السورية،وتسع قرى في ريف دمشق الشمالي ،وان يكون لجيشها حرية الحركة في جنوب سوريا،وواضح بان اسرائيل اهدافها ابعد من ذلك، ليس فقط دفع هذه الجماعات التي سيطرت على السلطة لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل،فهي جاهزة ومطوعة لذلك، بل دفعها للموافقة للتنازل عن الجولان ،والتي قال نتنياهو بأنه يعتبرها جزء من ارض دولة الإحتلال .وأمريكا في المقابل تقول بأنها لن ترفع العقوبات الإقتصادية عن سوريا، ولن تسحب قواتها من سوريا، لأنها تريد ان تحمي قواتها المحتلة لشمال شرق سوريا، وأن لا تسمح بعودة “داعش” من جديد،وهي التي اوجدتها ودربتها ومولتها، وتركيا لها اطماع في حلب السورية والموصل العراقية،ولا تريد ان يكون هناك دويلة كردية في شمال سوريا،تمتد الى العراق وأراضيها،وطبعاً أمريكا واسرائيل تتقاطعان في قضية الدولة الكردية في الشمال العراقي .
في هذه الحالة سيكون طبيعياً ربط حزام الأمني الجنوبي الذي تقيمه اسرائيل بدويلة الشمال الكردية عبر منطقة التنف حيث القواعد الأميركية، ليتمّ إنشاء ممر داوود الذي يتحدّث عنه الإسرائيليون مؤخراً.
وهنا يجب ان نشدد بأن قطر الراعي الإعلامي والمالي لتلك الجماعات، هي تريد تمرير انابيب الغاز القطري من الأراضي السورية نحو أوروبا،وهنا نؤشر الى واحد من اهداف هذا الشرق الأوسط الجديد،محاصرة الثلاثي الروسي – الصيني – الإيراني،وقطع الطريق على مشروع الحزام والطريق الصيني،وسقوط النظام السورية ووجود سلطة جديدة تمرر الغاز القطري من اراضيها يحقق هذا الهدف.
من وجهة نظري بأن السلطة الجديدة لا تستطيع التمرّد على الشروط الأميركية الإسرائيلية لوصولها الى الحكم وإزالة تصنيفها عن لوائح الإرهاب ورفع العقوبات عن سورية، بحيث تواجه خطر انهيار مشابه لانهيار النظام الذي تحتفل بالانتصار عليه، أو تقبل بالتنازل عن سيادة سورية ووحدة أراضيها التي رفض قبولها.
نتنياهو حتى يتوج ملك الشرق الأوسط من خلال البوابة السورية يحتاج الى جسر عبور الى تركيا وايران،وهذا ما يوفره الجسر الكردي،ولذلك ستواجه تركيا والعراق أولاً ومن ثم ايران اقامة دولة كردية تفتت وحدة اراضي الدول الثلاث،وكذلك لبنان ليس بمنأى عن الإستهداف ،وسيحاول النفاذ الى النسيج اللبناني،حيث الحلف الأمريكي في لبنان موجود وجاهز للمشروع الإسرائيلي لمحاصرة المقاومة والحزب وتجريده من سلاحه في كل لبنان وليس في الجنوب.
بإختصار نحن سنكون امام شرق اوسط جديد امريكي- اسرائيلي،يسيطر على كامل المنطقة العربية،ويعتمد سياسة الفك والتركيب الجغرافي لها على خطوط المذهبية والطائفية والعرقية والأثنية،واقامة كيانات اجتماعية هشة مرتبطة بالمركز المالي في واشنطن،ومرتبطة باحلاف أمنية وعسكرية مع اسرائيل.
سوريا في ظل هذه المعطيات والحقائق ما ينتظرها هو التدمير الممنهج لكل قدراتها العسكرية والتسليحية ولمراكز بحوثها ومطاردة وملاحقة وقتل علمائها،وسحق أي شكل من اشكال المقاومة فيها،ليجري لصياغتها من جديد لتكون دولة منزوعة السلاح بالحديد النار،واذا ما قدر للسلطة الجديدة ان تقلع فعليها ان تجيب على اسئلة من طراز ،ما مصير الجولان،وما مصير وحدة الأراضي السورية،وموقفها من قضية فلسطين والصراع فيها وعليها وحولها.