إعلان

 

تابعنا على فيسبوك

الفلّان بين ماسينا والفوتي: قراءة في ذاكرة الصراع وتحولات الحاضر

أحد, 19/10/2025 - 16:37

بعد انتصاره على ممالك البامبارا، أسّس الإمام شيخ أحمدُ دولة ماسينا في إقليم سيكو وموبتي وما جاورهما، وذلك في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، سنة 1818م. واستمرّ حكم هذه الدولة إلى سنة 1853م، حين انهارت على يد جيش الدولة الفوتية بقيادة الحاج عمر تال، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في تاريخ الفلّان، اتّسمت بعداوةٍ عميقة بين الماسينيين، الذين ظلّوا متشبثين بحلم استعادة دولتهم رغم سقوطها عسكرياً، وبين الفوتيين الذين استمرت دولتهم حتى عام 1893م، قبل أن تنهار أمام الغزو الفرنسي.
رأى الماسينيون في جهاد الحاج عمر تال غزواً توسعياً لا يحمل أي مشروعية، ولذلك عارضوه وحاربوه، رغم أنه لم يكن يستهدفهم في بداية حركته الجهادية، كما ورد في كتابه (بيان ما وقع)، حيث شرح فيه تفاصيل ما دار بينه وبين أمير ماسينا، أحمدُ بن أحمدُ، الذي اعتبره الحاج عمر عقبة في طريق جهاده ضد الوثنيين، ولا سيما بعد أن أصبح هذا الأمير حامياً لهم، وضمّهم إلى جيشه.
هذا ما سطّره لنا التاريخ من وقائع الصراع بين الدولة الفوتية التكرورية والدولة الإمامية الماسينية، وهو صراعٌ زرع في الذاكرة الجماعية جراحاً لم تندمل، وترك أثراً نفسياً عميقاً لم يمحُه تعاقب الأجيال، حتى بعد مقتل الحاج عمر تال وسقوط الدولة الماسينية.
لكنّ المشهد المعاصر يختلف جذرياً، حيث ظهرت حركة تحرير ماسينا، التي بدأت مواجهاتها بدوافع سياسية محضة ضد بعض الاثنيات التي ضمها معهم الحيز الجغرافي المشترك ، قبل أن تتحوّل تدريجياً إلى رفع راية "الجهاد"، والذي بات يستهدف أرواح المسلمين وممتلكاتهم، بعكس جهاد الحاج ععمر الذي كان ضد الوثنيين والذي كانت ماسينا نفسها قد رفضته حين قاده الحاج عمر تال، واعتبرته غزواً وعدواناً.
ويبرز هنا سؤال جوهري أمام كل من يتأمل هذا التاريخ:
كيف يمكن التوفيق بين ماضي الماسينيين والفوتيين، الذي اتسم بالعداء وسفك الدماء، وحاضرهم الذي يشهد تحالفاً غير معلن في الساحة القتالية؟
خصوصاً إذا ما أضفنا إلى ذلك ما أُشيع في زمن الصراع القديم، من أن الحرب بين الدولتين كانت ذات طابع طُرقي-طائفي، حيث كان الحاج عمر تال تجانياً، بينما كان أحمد بن أحمد قادرياً، وقد لاحظ المؤرخون أن أنصار الطريقتين دعموا الطرفين بحسب انتمائهم الطرقي.
فهل يمكن القول أن ما نشهده اليوم من اختطاف أحد شيوخ الطريقة التجانية من سلالة الحاج عمر تال، واغتيال حفيد الشيخ إبراهيم انياس، يُعد امتداداً لذلك الصراع الطرقي القديم؟
وإن صحّ ذلك، فهل يُعقل أن تكون ماسينا اليوم قد اختارت أن تُنفّذ انتقامها المؤجل من الفوتيين عبر استخدام أبنائهم كمقاتلين، ليُقتلوا بأيدي بعضهم بعضاً، دون أن يلتفتوا إلى أن هذه "الماسينا"، التي قاومتهم سابقاً لرفعهم راية الجهاد، هي ذاتها اليوم من ترفع الراية نفسها وتفرضها عليهم بأسلوبها الخاص، وبأهداف قد تكون أعمق مما يظهر على السطح؟
هكذا تُعيد الذاكرة التاريخية رسم ملامح الحاضر، وقد يتحوّل الصراع من معركة سياسية إلى ثأر مستتر، ومن جهادٍ مرفوض إلى راية مُعلنة، لكن بأدوات جديدة ومآلات أكثر تعقيداً.

بقلم/ غلاجو با
باحث من جمهورية مالي