إعلان

تابعنا على فيسبوك

الحزب الحاكم انتصر ببعض أسلحته وتخلى عن بعض

أربعاء, 12/09/2018 - 11:08

بغض النظر عن أحلام اليقظة التي يحلو لرواد العالم الافتراضي والحالمين العاجزين استمراؤها واتخاذها حقيقة تمحو الحقيقة، فقد جاءت نتائج الشوط الأول من الاستحقاقات الوطنية تشكل نصرا مؤزرا للحزب الحاكم؛ سواء منها ما تم حسمه لصالحه من نواب (67) وبلديات (111) ومجالس جهوية (4)، أو ما ينافس عليه خصوما يسهل التغلب عليهم في الشوط الثاني.

وهنا يبرز سؤال أساسي هو: كيف، وبماذا تحقق هذا النصر على مائة حزب وحزب، وما هي أبرز الظروف التي اكتنفته؟
وللإجابة على هذا السؤال المتعدد الأضلاع نذكر ما يلي:
1. أنه بالإضافة إلى جهود الوطنيين المخلصين التي تذكر فتشكر، فإن سبب نصر الحزب الحاكم في هذه الملحمة السياسية الكبرى يرجع أساسا إلى حصيلة نظامه العامة ومنجزاته الكبرى لصالح البلاد والعباد، وإلى التفاف الشعب الموريتاني حول النظام وحول الرئيس بسبب ذلك. ولولا ذلك العامل لما كان تحقق هذا النصر في مثل هذه الظروف العصية والمعقدة التي من بعض عقباتها: قوة وشراسة وممانعة ومكر قوى النكوص والردة الفاسدة، ومدى تأثير وتحالف الأفكار الرجعية القبلية والعنصرية والشرائحية والجهوية والفردية الوصولية الهدامة المتكئة على الاستعمار والصهيونية في أوساط واسعة من المجتمع الأمر الذي شوش الوعي الوطني وخلط الحابل بالنابل، وتعقيد العملية الانتخابية بسبب فساد الحياة السياسية الناجم عن كثرة المترشحين الفضوليين وأحزاب الورق!
2. وقد ساعد وجود ثلاثة عوامل أخرى في تحقيق هذا النصر هي:
ـ ضبط الحالة المدنية الذي حد كثيرا من التزوير الذي ظل زمنا طويلا أداة النجاح الرئيسية التي تمتلكها كل القوى السياسية وتتبارى فيها مستخدمة خبراتها الطويلة وطواقمها المدربة ومعداتها وترساناتها التي لا حدود لها.
ـ الحد من سلطة وتأثير المال الذي ظل إلى حد قريب سيد الموقف والسرطان الذي ينخر الديمقراطية ويقتل الشفافية.
ـ نضج الشعب الموريتاني عموما ووعيه الحسي وتمسكه بالسلم والديمقراطية وبقية أخلاق.
3. أن الحزب الحاكم لم يوظف في هذه المعركة المصيرية سوى بعض أسلحته، واستغنى عن بعض! وذلك لأسباب ما تزال مجهولة! ومن أبرز الأسلحة التي استغنى عنها أربعة هي:
ـ الحكمة. وقد تجلى ذلك في كثير من ترشيحاته حيث لم يتمكن في كثير منها من توظيف الجمع بين القديم والجديد، "بين إشراك كافة القوى الوطنية بمن فيها التقليدية والمحافظة من جهة، وإدخال دماء جديدة من الشباب والنساء والأطر الحية والتقدمية التي لا بد منها لضمان المسيرة الوطنية الإصلاحية والوصول بسفينتها إلى بر الأمان، من جهة أخرى". وهذا التوازن الدقيق الضروري كان قد رسم طريقه في معترك بناء الدولة الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله فقال:" تجب محاربة نفوذ القبيلة والتعامل معها في نفس الوقت"
ـ تعبئة الاحتياطي. قد لا توجد مبالغة كبيرة في عدد المنتسبين إلى الحزب الحاكم الذي يتهكم عليه البعض. ولكن هؤلاء الرجال والنساء الذين تحمسوا للانتساب دفاعا عن مكاسب الوطن، وإن استطاعت القبيلة والعنصر والشريحة والجهة والمغاضبة التأثير على بعضهم والانحراف به، وألغى الجهل والأمية وتعقيد العملية أصوات بعض، فإن مئات آلاف منهم تركوا سدى وأهملوا ولم يُتصل بهم ولم يعبئوا؛ ولا أعني أولئك الذين منهم في الأرياف البعيدة، بل أعني الذين في أحياء الترحيل بالعاصمة ممن أعيد لهم الاعتبار الإنساني في ظل هذا النظام فوجدوا الأرض والماء والكهرباء والتعليم والصحة وحوانيت أمل، ويؤيدون النظام والرئيس، ولكنهم لم يجدوا رسل النظام والرئيس فبقوا على الفطرة في الهامش!  
ـ الخبرة المتراكمة. من المؤكد في حالات كثيرة أنه برغم استفادة الحزب من خبرات بعض أطره، فإنه ضحى بخبرات كثيرة أقصى بعضها بدون سبب وهمش بعضا. الشيء الذي ترك أثرا بالغا في عمليتي الحملة والتصويت! وما أحكم ذلك الرجل الذي كان يقول والعهدة على الحكيم باي بخى: " إن أكبر هدية تقدمها إلى عدوك هي أن تخسر صديقا"!
ـ الثقافة والمثقفون. في الحملة كانت الخيام والأبواق والأغاني تملأ الآفاق، ولكن الثقافة والفكر غائبان! هل يعني ذلك أن الحزب الحاكم لديه نقص في المثقفين والمفكرين؟ كلا. إنهم بالآلاف وتحضرني أسماء العشرات منهم كتابا وأساتذة ودكاترة ومهندسين وخبراء الخ، ولكنهم أقصوا وهمشوا وحجبوا عن المشهد السياسي لفائدة المهرجين، وما يزالون كذلك إلى حد الساعة! لقد بدأ فرز النتائج منذ أسبوع. وخلال هذا الأسبوع خيم الشك والحيرة على مناضلي الحزب وأنصار الرئيس! لقد حرم أبطال هذا النصر وهم الشعب مَن يقيّم لهم تقييما صحيحا ما بذلوه من جهد وما حققوه من نصر، ولم ينظم قادة ومثقفو ومفكرو هذا الحزب أي ندوة انتخابية تمنح الأمل وتدعو إلى العمل وانتزاع النصر في الشوط الثاني! وكانت لقاءات بعض القنوات خجولة ولا تستضيف سوى بعض المهنيين المحايدين ويدور جل الحديث فيها عن عوامل فنية بحتة! ولعلكم تتذكرون معي ذلك الشاب الخلوق الكفء الذي جادل بنجاح في وقت متقارب عبر قناتين مختلفتين خصمين سياسيين! فهل لأن الحزب الحاكم لا يملك في معركة الوطن المصيرية إلا مثقفا وإطارا واحدا، أم إنه ليس لديه ما يقوله؟! كلا طبعا. فلماذا إذن هذا الصمت المريب؟ 

محمد ولد إشدو