إعلان

تابعنا على فيسبوك

لهذه الاسباب "وحدها" يستساغ إغلاق "مركز الشيخ الددو."

خميس, 04/10/2018 - 05:42

سالت أودية من الحبر، وتطايرت أنهار من اللعاب في موضوع سحب الدولة لرخصة "مركز تكوين العلماء"..تهاوت وتهافتت آراء غالبية المتحاورين حول الأمر؛ لأنهم انشغلوا (كل من زاويته) بالطريقة التي يمكن أن يضفي بها القدسية على معركته؛ فكان شعار النظام وأهله أنهم ينتصرون للخلفية الشرعية الدينية "الحصرية" لهذه البلاد (المالكية، الأشعرية، الجنيدية) ورفع الخصوم (الإسلاميون) شعار "حرب الدولة على الإسلام" لتضيع الحقيقة في سجال سياسي تمت تغطيته بإطار أيديولوجي ضيق؛ لكنه سميك وخالص..! 

ما يهمني في هذا الصراع هو البعد الثقافي؛ الذي مثل -دائما- المشغل الرئيس لي؛ لأنني أعتبره المدخل "السليم" لمعالجة إشكالياتنا البنيوية المزمنة.. من هنا سأحاول تناول الموضوع من تلك الزوايا؛

في السنة الماضية راج أن موريتانيا تنوي إعادة فتح معهد العلوم الإسلامية والعربية بموريتانيا (المعهد السعودي) الذي أغلق في الفترة الأخيرة من حكم ولد الطائع.. وقع نقاش صاخب وحاد أيامها حول الموضوع، وكنت واحدا من المشاركين فيه؛ المناوئين لإعادة الافتتاح؛ بانيا موقفي على مجموعة من الاعتبارات من أهمها:

- أن المناهج التعليمية القادمة من الوسط الوهابي -ومهما حاولنا تبيئتها- تظل -على الأقل- تحمل تفسيرا ليس متسامحا؛ بل غليظا وعنيفا؛ للنصوص الدينية؛ وهو ما جربنا في الماضي؛ وكان عاملا أساسيا (نهاية الثمانينات، وبداية التسعينات) في وأد بواكير تجربة طبقة مدنية/فردانية.

- أن حاجتنا -في هذه الظروف- ليست إلى دروس في الفقه والبلاغة والعقيدة... أمة يتناهشها الموت بالفقر والجوع وانعدام الطرق وتواضع المستشفيات.. لا ينبغي أن تشغل وقتها، ولا تستنزف طاقاتها فيما ليس نافعا في تلك الكوارث. 

- في المجتمعات التي تؤسس جزءا من طبقيتها على الدين تساهم المؤسسات التعليمية الدينية في تجذير تلك الهويات وتعزيزها على حساب الدولة طبعا؛ إذ غالبية الذين يستفيدون من تلك المؤسسات ينحدرون من فئة "الزوايا" وإذا تجاوزوا ذلك الاعتبار الفئوي فلن يعبروا الاعتبار العرقي؛ مما يعني أنه لن يستفيد إلا مكون واحد؛ مما يزيد الشرخ الاجتماعي (المتسع أصلا)  ويساهم في اتساع الهوة الثقافية بين الأعراق المتعددة لهذا البلد؛ في الوقت الذي ينبغي للأهداف التربوية أن تحمل بينها تعزيز السلم الأهلي، وترسيخ قيم المواطنة (المناوئة للفئوية والشرائحية بالضرورة).

- كون المعهد ينطلق من فلسفة بيداغوجية أساسها أممي (الأمة الإسلامية) وليس وطنيا؛ وهو في أحسن الأحوال لا يعزز الوطنية؛ في بلد يتهدده تعدد الهويات، وتنقصه محفزات الوطنية.

- عدم مراعاة المعهد لاحتياج سوق العمل؛ إذ تنحصر الفرص المتاحة لخريجيه في الإمامة (وهي ليست وظيفة رسمية) والقضاء والأستذة؛ اللذين لا يوفران عشرين فرصة عمل سنويا.. مما يعني إغراق السوق بالعاطلين؛ وليسوا أي عاطلين..! إنه صنف تمت تجربته في الماضي -كما أسلفنا- عبر موقفه السالب من المجتمع، والفراغ يحوله إلى قنابل موقوتة. 

في الختام؛ لا شك أن المساهمة مع الدولة في العملية التنموية أمر مطلوب ومحمود؛ على الكل القيام به؛ لكن وفق أجندة الدولة ومقارباتها (المبنية على أساس تقديم الأولويات) وليس على أساس إكراهات الممولين (ذكر لي أحدهم أنه ذهب مرة إلى واحدة من دول الخليج يحمل معه مشروعا ببناء مستشفى في قرية نائية وفقيرة؛ لكن الممول قال إن تبرعه خاص ببناء مسجد؛ فما كان منه إلا أن قبل (لأن الهدف في الختام هو التمويل) وعاد إلى القرية يحمل المسجد).
...............
ملاحظة:
لا أحتاج القول إن نفس ما ينطبق على المعهد السعودي ينطبق على معهد الددو

أحمد ولد الحافظ