تفوقت الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في حربها على سوريا وإيران، بانتهاجها لسياسة التدمير الاستراتيجي، حيث اعتمدت على هذه السياسة لأن الوقائع السياسية والعسكرية والميدانية على الساحتين السورية والإيرانية فرضتا الامر، كان ذلك عبر إصدارها لقرارات سياسية تُعد مركزية وجوهرية، حيث تصب في الشق الاقتصادي الذي يصيب مباشرة الشعوب في حياتها المعيشية وبقائها، وهي تعلم جيداً تداعيات ذلك، وعلى من تطلق سهامها السياسية الاقتصادية متجاهلة العواقب.
إحدى اهم الاستراتيجيات المتبعة أمريكياً في حروب الشرق الاوسط، كان الملف الاقتصادي، الذي جعلت منه واشنطن الملف الاهم ليس محبة بالمكاسب التي ترتد عليها، وإنما ايضا لتخبئ به الملف السياسي، ولتظهره لاحقاً في عملية تأخذ شكل فرض الامر السياسي العسكري بدون استخدام القوة على الأرض، وهذا ما شهدناه في التعامل مع كثير من الدول العربية، وخاصة في إيران وفلسطين المحتلة وسوريا.
ما ترسمه السياسات الخارجية المنطلقة من واشنطن تتلقفه ايدي الحلفاء التابعين لها والمنتشرين في كل بقاع العالم، ورغم الخسائر التي تكبدتها هذه السياسات الامريكية الخاطئة، تحاول واشنطن توسيع رقعة حروبها الاستراتيجية عبر تحركات او مواقف سياسية لبعض الدول الأوروبية والعربية، فـ ناقلة النفط الايرانية “غريس”1 التي تسلك الطريق البحرية الدولية بشكل قانوني ،عبرت راس الرجاء الصالح في جنوب افريقيا الى المحيط الاطلسي، ووصلت إلى مضيق جبل طارق، فقابلتها القوات البريطانية بالمنع والحجز في خرق لجميع القوانين والمواثيق البحرية ، كنوع من استكمال لسياسة امريكا تجاه طهران ودمشق، في الحصار والضغط والإرهاب الاقتصادي.
بدت عملية الحجز من قبل القوات البريطانية للناقلة المذكورة كنوع من العملية الاستخباراتية، ولكنها تأخذ شكل القرصنة البحرية التي تنتهك كل قوانين البحر.
امتداد الأذى الدولي على ايران ليصل إلى المنفذ الوحيد بعد اغلاق منفذ قناة السويس، ما هو إلا سياسة ضغط اخرى على طهران وسوريا على السواء، لِكون الناقلة كانت متجهة لسوريا حسب المصادر، وذلك عبر الحليف البريطاني وعلى ما يبدو الذي لم تستطع الولايات المتحدة فعله عبر كل قراراتها وحروبها خلال التسع سنوات في الشرق الاوسط، إلا أنها اعتمدت سياسية مد اليد بالقوة عبر حليف له مقامه في الحروب الكارثية في المنطقة، رغم قصور السياسات الاعلامية المنبثقة عنه فهذا الحليف الغربي يعد كالنهر الساكن في تحركاته، ولكنه بدأ يستفيض في تجاوزاته في إشارة واضحة على ان اليد الامريكية قد كُسرت في مفاصل كثيرة منها، ولم تعد تقوى على القيام بكافة استراتيجياتها السياسية، وخاصة ضد ايران وسوريا، فجعبتها السياسية باتت مكشوفة على الطاولة ولم تحقق المبتغى الفعلي المتمثل بكسر القوة الأولى الداعمة لمحور المقاومة إيران وخصوصا في سوريا، رغم ما تعانيه الاخيرة اي سوريا من أزمات الحرب عليها حتى الآن.
وبين الجنوب والوسط والشمال للكرة الأرضية سواء عبر الحليف السعودي والإماراتي في باب المندب، او عبر قناة السويس والآن عبر بريطانيا في مضيق جبل طارق، سياسة الحصار البحري الذي تعتمده واشنطن يأتي بعد الفشل الذريع لها سياسياً مع إيران، في مسألة ملفها النووي الذي يأخذ الاولوية في ملفات الإدارة الامريكية، وذلك لعلمها بأن إيران قادرة على ان تصبح من الدول التي تمتلك قنبلة نووية إذا ما تم التفاوض معها، وفعلا مع انتهاء مدة الستين يوماً من المهلة الإيرانية، وعدم التزام الدول الاوربية بمطالب إيران الشرعية، اعلنت طهران عن ارتفاع معدل التخصيب ليصل الى %3,67، وبات حرياً على الدول المعنية التحرك الجدي للقبول بالشروط الإيرانية.
في المحصلة، تعمد واشنطن لمحاولات سياسية إجرائية على ما اعتقد ، لأنها في النهاية ستكون واشنطن من يرضخ، وليس إيران، فالملفات التي في جعبة امريكا لا تخدمها في ردع إيران على ماهي ماضية فيه في حماية امنها القومي، والذي بات مهدداً من واشنطن وحلفاؤها، والمسؤولين الإيرانيين لا يثقون بالتصريحات الامريكية، لان ما يحصل على الأرض يُناقض ما تدعيه واشنطن وحلفاؤها.
ربى يوسف شاهين- رأي اليوم