
تحل في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر 2025 الذكرى الخامسة والستون لعيد الإستقلال الوطني وهي الذكرى التي نالت فيها بلادنا استقلالها من المستعمر الفرنسي الغاشم، والتي ترمز لمعالي كثيرة تجسدت مع هذا الحدث الأبرز في تاريخنا الحديث، فقد شكلت هذه المناسبة بداية التأسيس الفعلي للدولة الموريتانية التي لم تعرف الوجود من حيث النظام، كما كانت البداية الحقيقية لتأسيس العاصمة أنواكشوط التي بدأت قبل عامين من عيد الإستقلال اختيارها من قبل الأب المؤسس ورفاقه في الدرب..!؟
كما أن الحدث يستحضر معه ظلم المستعمر وإقصاءه لبلادنا من البنية التحتية والمنشآت الخدمية التي تركها في مستعمراته الأخرى المجاورة لنا، حيث كان ذلك هو التحدي الأكبر لدى الآباء المؤسسين مع الأطماع الخارجية التي تتربص بنا الدوائر، ليتمكنوا لا حقا من تحقيق المعجزات بحكمة ووطنية، وعمل لا يعرف التوقف أو الكلل.. !؟
وقبل ذلك كان المستعمر الظالم يحصي خسائره التي تكيدها عند دخوله وأثناء تواجده على أديم وطننا الحبيب، وكذلك بعد تفكيره في الخروج مع إعترافه باستقلالنا، فما بين ولاته ووديان الخروب أديم لم يكن لينسى حين كان شيخ المجاهدين الأبطال الأمير بكار ولد أسويد أحمد يلفظ آخر أنفاسه الزكية مضمخ الجراح بيده الطاهرة بندقيته التي أذاقت العدو مرارة الاستقرار في بلادنا رغم ما حباه الله به من مجد تليد ورثه كابرا عن كابر ففضل أن يجاهد الأعداء الغزاة على كل العروض الدنيوية الفانية؛ ليكتب لنا مجدا ها نحن اليوم نعيشه في كل معانيه وتجلياته..!؟
وغير بعبد من ذلك كان المجاهد سيدي ولد الغوث هو ومجموعته باعتراف الفرنسيين أنفسهم يقاوم في الحوضين والعصابه، ليقود بعد ذلك تحالفا مع الأمير سيد أحمد ولد أحمد العيده في مقاومة الفرنسيين..؟!
لن تكون عبارات التقدير والوفاء بالعهد للمجاهدين الأبطال كافية مهما كان معينها؛ فذينك الشيخين؛ فوددياكلي ومامدو الأمين في كوركل وكيدي ماغا؛ يتنفس المواطنين عبير حرية دفعوا أرواحهم ثمنا لها دون أن يستكينوا أو يهادنوا..!؟
وتبقى رمزية الشريف المجاهد الصالح سيدي ولد مولاي الزين حاضرة ما بقي شبر من أرض موريتانيا العزيزة؛ عندما سكت طويلا في مخطط كان حينها يشبه إلي حد بعيد الخيال؛ لينادي على أحبابه في ولاية آدرار معلنا عن السير قدما في مخططه الجهادي في غزوة تجكجه المجيدة التي وضعت حدا للطاغية كبولاني 1905 على يده الشريفه ليقع بعد ذلك شهيدا؛ ومعه بعض أعوانه.
ويقود الحديث عن هؤلاء إلي صاحب الفتوة والشجاعة والإقدام؛ الأمير الذي فضل أن تبقى ذكراه محفورة في الذاكرة الجميعة وبطولاته تحكيها الأمهات للأطفال في شكل قصص جميلة تكاد تعانق خيال القصصين الواسع من جمالها؛ إنه الأمير الفتى سيد أحمد ولد أحمد العيده والشاهد هنا وديان الخروب وجبال آداراره الشامخة؛ ففضل أن يكون شهيدا دفاعا عن أرضه وعرضه..!؟
وإلي الترارزه حيث لا يقل الحديث عن مجاهد آخر لن يذكر المستعمر إلا وكان اسمه موجودا في رمزية طفحت بعبق الفروسية والشهامة والكبرياء؛ إنه الأمير البطل أحمد ولد الديد الذي كتب عبرات ستبقى خالدة عن مفهوم المقاومة والتضحية..!؟
وإلي روح الشيخ ماء العينين الزكية التي أبانت عن عظمة رجال الدين في بلادنا حين أغار في عديد المرات على ثغور الأعداء مخلفا في صفوفهم الخسائر البشرية والمادية..!؟
ولن تكون المدارس المحظرية وشيوخ العشائر ببعيد من المقاومة من خلال المقاطعة الثقافية التي شكلت حصنا منيعا ضد الغزاة؛ فلم يتسطع المستعمر بثّ ثقافته التي مسخ بها ثقافات شعوب أخرى في مستعمراته..!؟
ومن بعد المقاومة جاء رجال صدقوا ما وعدوا الله فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر؛ فوقف هؤلاء في وجه العديد من التحديات والمعوقات قبل أن يوفقوا في بناء موريتانيا الحديثة، وهنا لا بد لنا من وقفة خاصة مع مؤسس موريتانيا الحديثة الرجل الذي توج عمائم الشناقطة إنه أب الأمة الموريتانية الأستاذ المختار ولد داداه الذي يعود له الفضل في بناء وطن بمفهوم الدولة لم تسعفه أقداره بأن ينال ما حظيت به مستعمرات أخرى من تعمير وبناء..!؟
و لن يفوت الحديث هنا دون التطرق لأبناء المؤسسة العسكرية التي أنجبت فتية برره جسدوا معاني التضحية والوفاء في مواقع كثيرة لهذا الوطن الغالي، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، حيث كانت دمائهم الزكية تروي أديم هذا الوطن دفاعا عن الأمن والحوزة الترابية..!؟
إن هذه الذكرى رغم ما تحتمله من مشاعر الفرح والسرور، فإنها تخفي وراءها الكثير من الآلام التي تحتم علينا الوفاء لدماء الشهداء ومجد الآباء من خلال المحافظة على هذا الوطن، والابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة النعرات الشرائحية والاثنية، ووضع مصالح الوطن العليا فوق كل الإعتبارات والاختبارات..!؟
كما أن الوقت قد حان من طرف الأحزاب الوطنية وهيئات المجتمع المدني والرأي العام والإعلاميين والمدونيين للضغط من أجل الحصول على إعتذار من طرف المستعمر والتعويض لنا عن هذه الفترة المظلمة، خاصة وأن بلادنا تكاد تكون المستعمرة الوحيدة التي لم يخلف فيها المستعمر غير الخراب واستنزاف خيراتها..!؟
الحسن ولد الشريقي
[email protected]
.gif)


.jpg)


.gif)